حاضنة «بادر».. حاضنة لتوليد الحاضنات للشركات المتوسطة والصغيرة (1)
كثيراً ما تأخذ الشركات الكبرى أكبر المساحات وأكثرها في صفحات الصحف, وعادةً ما تستحوذ على أوقات أطول في دقائق البث التلفزيوني, وفي الغالب ما تسيطر أخبارها على حديث المحللين والمهتمين. على الرغم من أهمية الشركات الكبرى للاقتصاد إلا أن نسبتها في كثير من الدول لا تتجاوز 5 في المائة من إجمالي الشركات, ونسبة الوظائف المسؤولة عنها في القطاع الخاص تقل عن النصف أو أقل بكثير, وهي أيضاً مسؤولة عن أقل من النصف من دخل القطاع الخاص, أي أن الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم لها الأهمية نفسها أو أكثر. إليك بعض الإحصاءات, في بريطانيا تمثل الشركات المتوسطة والصغيرة نسبة 99.9 في المائة وهي توظف 13.5 مليون موظف بنسبة 59.9 في المائة من التوظيف في القطاع الخاص, وهي ولدت للاقتصاد البريطاني نحو 1440 مليار جنيه في عام 2008 بنسبة 51.5 في المائة من دخل القطاع الخاص. في أوروبا تمثل الشركات المتوسطة والصغيرة نحو 99 في المائة وتوظف نحو 120 مليونا. في اليابان, توظف الشركات المتوسطة والصغيرة نحو 81 في المائة من العاملين في القطاع الخاص. الدول المتقدمة تدرك ماذا تعني هذه الأرقام عن المنشآت المتوسطة والصغيرة لاقتصادها ولمقدرتها التنافسية, لهذا فهي توفر لها حاضنات لترعى نموها وتوجه تطورها وتزودها بالمعرفة والخطط والمهارات التي تحتاج إليها لتكبر حجماً وخبرةً وفائدةً للاقتصاد ولملاكها لكي تنضم إلى الشركات الكبرى في يوم من الأيام.
حاضنات الأعمال تعد بالدرجة الأولى وسيلة تنمية اقتصادية, ووسيلة تعليمية تدريبية ترفع من مستوى الاقتصاد المعرفي. ظهرت قبل أكثر من عقدين من الزمن وأصبحت تُدعم اليوم عن طريق منظمات عالمية مثل البنك الدولي. أثبتت الإحصاءات أن ما يفوق 75 في المائة من المشاريع الجديدة التي تنشأ خارج الحاضنات تفشل وأن هذه النسبة تتقلص بشكل كبير إلى نحو 30 في المائة للمشاريع التي تنشأ داخل الحاضنات. في هذه الحاضنات توفر الاستشارة الإدارية والتجارية الدقيقة التي يحتاج لها ذوو المشاريع المتوسطة والصغيرة, كذلك يتم تدريب المتخصصين الذين سوف يشرفون على هذه الحاضنات وتدريب أصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة في مجالات إدارية وتجارية مختلفة. من أهم مخرجات هذه الحاضنات أنها ترفع من المستوى المعرفي في الاقتصاد السعودي, فعن طريق تدريب وتأهيل المتقدمين والرفع من قدراتهم الإدارية والتنافسية لإنجاح أعمالهم المتوسطة والصغيرة سوف يتم الرفع من المستوى المعرفي وهذا سوف يعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام. في العقود الماضية من تاريخ التنمية في المملكة لم يكن هناك اهتمام كبير بالشركات المتوسطة والصغيرة حتى السنوات القليلة الماضية. في خطوة مميزة ورائعة من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا تم تأسيس حاضنة ''بادر'' لدعم وتشجيع وتنمية المشاريع المتوسطة والصغيرة في المملكة. ''بادر'' ليست الجهة الوحيدة في تقديم خدمات للمنشآت المتوسطة والصغيرة, فصندوق المئوية يدعم الشباب والشابات في مثل هذه المشاريع, وكذلك يوجد مركز المنشآت المتوسطة والصغيرة في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الذي يقدم مبالغ مالية جيدة لبدء مشاريع متوسطة وصغيرة. غير أن ''بادر'' على حداثتها تمتلك عوامل نجاح سوف تنتج مشاريع أعمال ناجحة وسوف تسهم بشكل ملموس في البناء المعرفي للاقتصاد السعودي أكثر من غيرها. لماذا أقول هذا؟ السبب يرجع إلى اعتماد ''بادر'' على طرق علمية متخصصة في تأسيس الحاضنات وإدارتها وقيام كفاءات سعودية واعية بالإشراف عليها. هذا لا يعني أنها لن تواجه مصاعب وتحديات, فبعض هذه التحديات واضحة سوف تحتاج ''بادر'' إلى مواجهتها في المستقبل القريب جداً.
كان لي فرصة زيارة ''بادر'' وكان بمحض الصدفة وجود برنامج تدريبي في ''بادر'' يقوم به خبيران أستراليان سُمِح لي بحضور ما يقارب ساعتان منه. بدا واضحاً تمكن الخبيرين من موضوع التدريب ألا وهو ''علاقة المتخصص بالحاضنة بصاحب المشروع وكيفية خلق علاقة تخدم التفاعل بين الطرفين''. ما لفت نظري هو تفاعل الحضور الأكثر من رائع مع ما يطرحه الأستراليان وكذلك تكرارهما عبارة ''عليكم مراعاة البيئة/ الثقافة السعودية'', أي أن عليكم الانتباه كيف يتم التطبيق بطريقة قابلة للعمل في البيئة والثقافة السعودية. هنا يكمن في نظري أحد التحديات التي يواجهها كثير من الشركات في السعودية, ألا وهو كيفية تكييف النظرية لتلاءم الثقافة السعودية ومنطق العمل في بيئتنا. أثرت هذه النقطة مع كل من الدكتور عبد العزيز الحرقان والدكتور محمد الماجد القائمين على ''بادر''. أشارا إلى أن ''بادر'' تقوم بعمل بعض هذه الحاضنات في عدد من الجامعات السعودية وأنها سوف تدار بسعوديين لديهم البعد الثقافي وهذا سوف يساعد على الربط المباشر بين ما يتم تدريبه والثقافة السعودية. هذا شيء مشجع جداً فطالما تمنينا من الجامعات دوراً أكبر في التفاعل مع القطاع الخاص وخاصةً في نقاط تتعلق بنموذج الإدارة في السعودية والتي ما زلنا نحن الأكاديميين نتعرف على ملامحها.
في الأسبوع القادم سوف أستعرض المزيد عن ''بادر'' وخاصةً في الانتقال بالمشاريع السعودية من المحلية إلى العالمية, فعملية الانتقال نحو العالمية مغيبة من منطق الشركات السعودية وحان الوقت لأن نكون أكثر دراية ومعرفه بها.