العم سعد هو آخر شخص يمكن أن يفكر في معاناة انقطاع التيار الكهربائي عن قريته التي تبعد عن العاصمة السعودية مئات الكيلو مترات, ففي الوقت الذي يلطم ويولول فيه كثير من الناس بسبب غليان أدمغتهم ودمائهم تحت درجات حرارة تجاوزت الـ45 درجة مئوية لساعات مختلفة من نهار كل يوم .. يستمتع هو بالتمدد بجوار جهاز الراديو بملابسه المنزلية التقليدية المكونة من ''سروال السنة والفنيلة العلاقي'' مستقبلاً بصدره الهواء البارد الرطب المنبعث من مكيفه الصحراوي, وربما التحف بـ'' الفروة'' بسبب البرد ودخل في غيبوبة نوم عميقة بعد أن يضرب بأصابعه الخمسة في وجبة دسمة من كبسة الحاشي متبوعة بلتر من اللبن!
وحتى لا يعتقد بعضكم أن العم سعد رجل ''واصل'' بحيث لا ينقطع التيار الكهربائي عن منزله طوال أيام العام, لا بد أن أؤكد أنه رجل بسيط لا يملك أي واسطة في أي مكان, كما أنه لا يملك أي حساب بنكي يحتضن ثروته, فكل ما خرج به هذا الرجل من الدنيا مجموعة من الكائنات الصحراوية الأليفة (إبل وغنم وكلب حراسة)، إضافة إلى وايت تم صنعه قبل أن يولد نصف سكان المملكة ومولد كهرباء ''ماطور'' لا يصدر أي فواتير شهرية أو سنوية وهذه والله ثروة يحسده عليها كثير من سكان الفلل في أفضل مدن المملكة !
تذكرت العم سعد اليوم وأنا أقرأ التصريحات التي أدلى بها الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء المهندس علي بن صالح البراك في منتدى أمطار الذي يرعاه أستاذنا وزميلنا الجميل نجيب الزامل.. فقد نصح البراك في تصريحاته ملايين المواطنين بالترشيد وتقنين استهلاك الطاقة الكهربائية, مؤكداً أن النمو السريع الذي حدث في المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية أثر في مستوى توفير الكهرباء في عدد من محافظات المملكة ومناطقها نتيجة الطلب على الخدمة الكهربائية مع محدودية محطات الكهرباء وعدم وجود مصادر مختلفة لتوليد الطاقة لمجابهة أكثر من مائتين وستين ألف مشترك إضافي جديد كل عام ينضمون إلى طالبي هذه الخدمة الحيوية. أما تعليقي فيتلخص في أن ما أدلى به البراك مع كامل احترامنا للجهود المبذولة من قبل الشركة يكشف عن سوء تخطيط كبير, فالسنوات الثلاث الماضية التي حفلت بالنمو السريع كان يفترض أنه تم التخطيط لها من قبل الشركة وأن محطات جديدة أنشئت قبلها وخلالها بشكل يكفل وصول الخدمة إلى جميع المشتركين دون انقطاع, لكن ولأن الفاس وقعت في الرأس وانتهى الأمر, فأنا أقترح على الشركة توفير ماطور كهربائي من نوعية ماطور العم سعد نفسها لكل مواطن حتى يتم تجاوز المشكلة ويا دار ما دخلك شر! .
