حظر استيراد السيارات المستعملة...لمصلحة مَن؟
دخل قرار حظر استيراد السيارات المستعملة التي يزيد عمرها على خمس سنوات، إلى السعودية، حيّز التنفيذ يوم الثلاثاء 16/6/1430هـ. وقد تباينت ردود الفعل إزاء هذا القرار، فعلى جانب هناك الحزين وخاصة تجار السيارات المستعملة والمستهلكين، على اعتبار أن فرص المعروض من تلك النوعية من السيارات ستقل، وهو ما سينعكس على الأسعار في سوق المستعمل والجديد بالارتفاع، حيث ستضيق الهوة القائمة بين سعر المستعمل والجديد، وهو ما سيضطر الكثيرين إلى شراء الجديد. وعلى جانب آخر هناك السعيد، وأقصد وكالات السيارات الجديدة، لأن هذا القرار وإن استهدف تحقيق مصالح وطنية عليا، إلا أنه صب في صالحهم، حيث المزيد من الطلب على السيارات الجديدة، وبالتالي ارتفاع هوامش أرباحهم، ويتحقق فيهم المثل "مصائب قومٍ عند قوم فوائد".
مؤكدا أنه لا يوجد تنظيم على وجه الأرض يمكن أن يرضي الأطراف كافة إرضاءً كاملاً، فأي قانون أو نظام ينظم أمرا ما، لا بد أن تجد من هو مع ومن هو ضد هذا النظام، لتأثيره أو انتقاصه من مصالح ومزايا معينة، فقرار زيادة الضريبة مثلاً لا يرضي العميل، ولكنه يصب في مصلحة الموازنة العامة والإيرادات العامة، وقانون يضع حدا أدنى للأجور وإن أسعد العامل فإنه يثير حفيظة وغضب صاحب العمل... وهكذا.
ولكن يمكن الحد من الجوانب السلبية للأنظمة والقوانين والقرارات، من خلال مراعاة مختلف الجوانب التي يمكن أن يؤثر فيها هذا القرار حال صدوره. فقرار قصر الاستيراد على المركبات التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات، هو قرار صائب من منظور المصلحة العامة، وذلك من عدة جوانب في مقدمتها:
* الحفاظ على البيئة من خلال الحد من التلوث، نظراً لأن السيارات الأقدم عمراً غالباً ما تكون أكثر تلويثاً للبيئة نتيجة قِدَم أجهزتها، وحماية البيئة جزء لا يتجزأ من منظومة التنمية المستدامة (أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية)، أي أن التنمية على المدى الطويل لا يمكن أن تتحقق إلا بتوافر الجوانب الثلاثة مجتمعة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
* الحد من الاستهلاك في الوقود، فالكثير من العلامات القديمة نسبياً، ومع تآكل أجهزتها، تكون أكثر استهلاكاً للوقود، مقارنة بالماركات الجديدة، التي تم تطوير تقنياتها، لتكون أقل استهلاكاً للوقود، وبهذه الطريقة تكون الدولة قد حدت نسبياً من الاستهلاك المتنامي للوقود، وهي القضية المثارة على السطح حالياً.
* حماية الذوق العام وجمال شوارع المملكة، فالسيارات القديمة غالباً ما تبدو في مظهر غير حضاري (شاهد موديلات 1950م التي لا تزال تسير في شوارع القاهرة) يخدش الذوق والجمال العام، فحتى على الرغم من تطوير وتجميل الطرق والشوارع، سيتوارى كل هذا الجمال خلف سيارات منتهية الصلاحية، تتداعى على الطريق.
* قد يؤدي مثل هذا القرار - وعلى المديين المتوسط والبعيد - إلى الحد من الطلب العام على السيارات. ففي ظل سوق منفتح وغير منضبط للسيارات وغيرها، يتحقق الإهدار لمختلف الموارد، ولهذا فإن المصلحة العامة تقتضي تنظيم هذا السوق، ليكون هناك توازن بين العرض والطلب الأساسي وليس الترفيهي أو الاستنزافي، وبالتالي نخفف من الضغوط على الإنتاج الوطني من الوقود، ونحد من الاستهلاك المحلي الذي يشهد تصاعداً مخيفاً.
لا يمكن لأحد أن يشكك في المزايا المشار إليها أعلاه، كما أن المملكة ليست استثناءً في هذا الخصوص، فدول العالم كافة تضع مثل تلك النظم، ولكن الأهم وقبل وضع النظام هو مراعاة مختلف الجوانب، وضمان عدم حدوث ردة فعل عكسية، تجعل من مثل هذه القرارات وبالاً على الشريحة الأكبر من السكان، وذلك عندما تستغل قلة احتكارية من الشركات السوق، وتنتهز الفرصة لتحقيق مكاسب طائلة على حساب الاقتصاد الوطني والمواطن. فالنجاح في إنجاز مثل هذا القرار يتطلب الضرب بيد من حديد، والرقابة الصارمة على شركات ووكالات السيارات الجديدة وكذلك المستعملة، حتى لا يكون هناك استغلال جائر، بتعطيش السوق، وفي النهاية تقع فاتورة هذا القرار كاملة على عاتق المواطن.
كما أنه، وطالما أن الاقتصاد يدار من خلال آليات السوق الحر، ينبغي أن تكون هناك حرية في استيراد المركبات الجديدة والمستعملة في إطار الأنظمة، ولكن بما يضمن وجود سوق تنافسي وليس سوقا احتكاريا. فلا يمكن الحديث عن الاحتكار في ظل سوق تنافسي، وإلا نكون بصدد سوق مشوّه، وما يمكن أن ينجم عن هذا التشويه من أضرار اقتصادية واجتماعية.
وفي إطار هذا القرار، يمكن أن يصدر قرار لاحق لا يقل أهمية، بحيث يحظر سير المركبات (الموجودة داخل المملكة حالياً) التي يتجاوز عمرها 20 عاماً مثلاً، ولكن بشروط حتى نضمن الموازنة بين المصلحة العامة والخاصة. على سبيل المثال، يمكن للدولة من خلال التنسيق مع وكالات السيارات والبنوك، دعوة مالك السيارة التي يتجاوز عمرها 20 عاماً إلى التقدم بمركبته، وأن تكون هناك جهة محايدة تتولى تقييم سعر تلك المركبة، وإذا قُدر سعرها مثلاً بعشرة آلاف ريال، يوضع هذا المبلغ كمقدم يحصل من خلاله المواطن على مركبة جديدة (ضمن قائمة مركبات يتم تحديدها بالتعاون بين الدولة ووكالات السيارات والبنوك)، بحيث يتم تقسيط المبلغ المتبقي دون فوائد وبسعر الاستيراد، على أن يتم تنظيم هامش ربح الوكيل بالتعاون مع الدولة والبنوك.
في هذه الحالة ستكون الدولة هي المستفيد الأول للكثير من الاعتبارات، وفي مقدمتها أن استهلاك الوقود سيشهد تراجعاً كبيراً، نظراً للإهدار الكبير في المركبات القديمة، كما ستضمن جمال وخلو الشوارع العصرية من المركبات القديمة المتهالكة، وفي الوقت نفسه ستضمن قبول المواطن لهذا القرار وتلقيه له بارتياح، فمن مِنا لا يرغب في اقتناء مركبة حديثة؟ وفي الوقت نفسه ستحقق شركات السيارات والبنوك أرباحاً معقولة (فالدور الاجتماعي لهذه المؤسسات لابد وأن يُفعل)، وبالتالي يكون الجميع قد استفاد. فالمهم ليس إصدار قرارات وإنما وضعها موضع التنفيذ العادل، ولن تكون كذلك إلا إذا راعينا مختلف الجوانب التي يمكن أن تؤثر فيها مثل تلك القرارات. والله الموفق،