وعود .. ومخاطر الاستقلال
يجلس الرائد Johnson Guch من الجيش الشعبي لتحرير السودان خارج كوخ عشبي على حافة Nasir، المركز التبشيري في Nuerland الذي تحول مع الزمن إلى بلدة كئيبة. ويوحي مظهره بقائد حربي محلي. والرائد Guch، وهو من Nuerland، قائد وحدة متكاملة مشتركة من الجنود السودانيين من الشمال والجنوب المكلفة بالحفاظ على السلام في Nasir. وهو يقول إن لديه 150 جنديا جنوبيا، لدى كل منهم علبة صغيرة من الرصاص. ولكنه لا يبالي بالجنود الشماليين. فهو لا يعرف عددهم هناك، ويقول إن هذا لا يهمه. وهذه ليست قيادة مشتركة بأي معنى للكلمة.
إلا أن قائد الجنود الشماليين، الكابتن عثمان مصطفى، أكثر تهذيبا، ولكنه أيضا أكثر مراوغة. وتقع خيمته بالقرب من أرض قاحلة سوداء تتناثر عليها حطام المركبات التي تم تفجيرها في الحرب وبعض أكوام المخلفات البشرية التي تركها المحليون الذين لا يستخدمون المراحيض. والكابتن مصطفى مسلم من جبال النوبة، ويقول إن لديه 300 جندي، وعدد كاف من الأسلحة، وبالطبع علاقات جيدة مع الجنوبيين.
والوحدة المتكاملة المشتركة، إضافة إلى قوة حفظ السلام غير الفعالة التابعة للأمم المتحدة التي تتمركز على الجانب الآخر من Nasir، وقفت متفرجة ولم تفعل شيئا حين هاجمت إحدى جماعات Nuer جماعة أخرى الشهر الماضي، وقتلت 71 شخصا في قرية Torkej المجاورة. وقد استهدفت جماعة Lou-Nuer مخيم ماشية تعتني به نساء وأطفال من Jikany. وقد تم إطلاق الرصاص عن قرب على أولئك الذين كانوا ينامون في الخارج تحت الناموسيات، ثم رش أفراد Lou الرصاص على الأكواخ. وقادوا الأطفال الأكبر سنا إلى النهر حيث أغرقوهم. وأخذ أفراد Lou الماشية وبعض الممتلكات التافهة الأخرى. وتم أخذ 50 شخصا مصابا إلى مستشفى منظمة أطباء بلا حدود.
وتصر جماعة Jikany على أنه لم يسبق للصوص الماشية أن استهدفوا النساء والأطفال. وهم يشعرون بالغضب لأنه لم يكن لديهم أسلحة للدفاع عن أنفسهم. وبموجب برنامج نزع السلاح في جنوب السودان، تخلت جماعة Jikany عن أسلحتها، فيما أبقت جماعة Lou أسلحتها. ويقول وجهاء جماعة Jikany أن أفراد جماعة Lou يعملون لحساب حكومة الرئيس عمر البشير الشمالية في الخرطوم. وهم يعتقدون أن الشمال زود جماعة Lou بما لا يقل عن 100 رشاش في الأشهر الأخيرة. ويقولون إن جماعة Lou تهاجم جيرانها من جميع الجوانب، بما في ذلك Murle في الجنوب، وذلك بناء على طلب حكومة البشير. ومن جانبها، تقول جماعة Lou إن أفراد جماعة Murle هم وكلاء النظام في الشمال.
وأيا كانت الحقيقة، فإن هذا الحدث دليل على انهيار أوسع نطاق للسلام في جميع أنحاء جنوب السودان. ففي الشهر الماضي أو ما يقارب ذلك قتل مئات الأشخاص في اشتباكات عنيفة مماثلة للاشتباك في Torkej، حيث تتنافس جماعات البدو للحصول على أفضل الماشية والمراعي. والنزاع أمر طبيعي، ولكن من غير الطبيعي أن يتم قتل هذا العدد الكبير من الأشخاص بهذه الطريقة - على الأقل في السنوات الأخيرة. وتقول الأمم المتحدة إنه يتم الآن قتل أعداد أكبر من الناس في الجنوب عن أولئك الذين يلقون مصرعهم في دارفور، المنطقة المضطربة في غرب السودان.
وبموجب شروط اتفاق السلام مع حكومة عمر البشير في الشمال الذي تم توقيعه عام 2005، يتوقع أن يصوّت الجنوب على استفتاء للانفصال عام 2011. وقد أثارت احتمالية الحصول على دولة جديدة، هي جنوب السودان، الآمال بإنهاء الحرب الأهلية في السودان بين الشمال الذي يسكنه المسلمون والجنوب الذي يسكنه المسيحيون والروحانيون، التي استمرت على نحو متقطع في معظم أوقات الـ 50 عاما الماضية. وأخيرا، سيقوم الجنوب المدمّر بإعادة بناء نفسه.
ولكن الآن، يخشى حتى عديد من الجنوبيين، ناهيك عن داعميهم الحزبيين الأجانب، من كون التقدم في المنطقة نحو الاستقلال يسير على نحو خاطئ. ولا يتعلق الأمر فقط بتزايد معدل العنف بين القبائل وعداء الشمال، بل إن مشكلات الجنوب زادت بسبب عدم كفاءة وفساد حكومة جنوب السودان، المكونة بصورة رئيسية من مقاتلين متمردين سابقين في الحركة الشعبية لتحرير السودان، الحركة السياسية للجيش الشعبي لتحرير السودان. فقد أنفقوا نحو خمسة مليارات دولار من عائدات النفط خلال الأعوام الأربعة الماضية دون تحقيق نتائج ملموسة، باستثناء الأسلحة. وبالمعدل الحالي، ستفشل جنوب السودان قبل أن تولد.
ولا شك أن حكومة البشير في الشمال تلعب دورا في العنف والاضطرابات في الجنوب. وكان الشمال بطيئا في الالتزام بتعهداته بموجب اتفاق السلام لعام 2005 مع الجنوب. وفيما يتعلق بتحديد خط الحدود بين المنطقتين، الذي يؤثر بصورة مباشرة في ملكيته من احتياطات النفط في الدولة، رفض الشمال التعاون. وولد هذا عدم ثقة عميقة بين الجانبين. وبالتالي فإن الوحدة المتكاملة المشتركة، مثل الجنود في Nasir، "مشتركة" بالاسم فقط، وغير قادرة على حفظ النظام في المناطق الحدودية المتنازع عليها.
ومع ذلك، من الخطأ إلقاء اللوم على الشمال فقط. ويقول برنامج الغذاء العالمي إن معدل سوء التغذية في جنوب السودان يبلغ 16 في المائة، ما يظهر وجود حالة طوارئ إنسانية دائمة. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، وعلى الرغم من مليارات الدولارات من العائدات، فشلت حكومة جنوب السودان في بناء ولو حتى طريق معبدة واحدة خارج العاصمة، جوبا. وفي عديد من المدن، ناهيك عن المناطق النائية، لم تحدث الحكومة المفترضة لدولة جنوب السودان أي انطباع على الإطلاق، حيث تم بناء معظم العيادات أو المدارس الجديدة من قبل الكنائس أو الجمعيات الخيرية الأجنبية. ويتم بصورة متزايدة إلقاء اللوم على هذه الفوضى على السياسيين في الجنوب.
والتصور الشائع هو أن حكومة جنوب السودان فاسدة، خاصة على المستويات الدنيا. وقد تم عزل قائد الجيش في التعديل الأخير بعد فشله في تفسير الرواتب المفقودة. وتحجم الحكومات الأجنبية عن ضخ المال الذي تحتاجه جنوب السودان بشدة خوفا من أن يتم تبديده.
القتال لا المداهنة (أو أي شيء آخر)
بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط العام الماضي، عانت حكومة جنوب السودان من انهيار إيراداتها النفطية، التي تشكل 98 في المائة من دخلها. ومع أنه لا يمكن توجيه اللوم للحكومة على انخفاض أسعار النفط، إلا أن الكثيرين يتساءلون عن سبب بقائها تحت رحمة أهواء سلعة واحدة. ومن غير المتوقع أن يزيد ناتج النفط عام 2010، وقد لا ترتفع الأسعار إلا قليلا، مع أنها ارتفعت عن مستوياتها المتدنية.
والحكومة بحاجة إلى المال. فقد أنفقت حكومة جنوب السودان أكثر من نصف دخلها على دفع رواتب جنودها القدامى وشراء أسلحة جديدة. ويقول الجيش الشعبي لتحرير السودان إن هذا تأمين ضد الشمال في حال حاول منع الانفصال عام 2011، إلا أن هذه السياسة لا تترك كثيرا من المال لأمور أخرى. ولم تتمكن الحكومة من دفع رواتب عدة أشهر، وأخيرا هدد المعلمون بالإضراب. ويقول البعض إن الجنوب مفلس الآن، مع أن أحد الأشخاص المطلعين على عملية وضع الميزانية يقول إن هذا مبالغ فيه: "الأمر سيئ، ولكنه ليس كارثيا".
وقد شهد الأسبوع الماضي أول بادرة لشن تمرد داخلي ضد ما يعتبر سوء الحكم في جوبا. فرئيس الوزراء المؤثر السابق، Lam Akol، يؤسس حاليا حزبه الخاص لتحدي الحركة الشعبية لتحرير السودان. ويتساءل قائلا: "لماذا فشلت الحركة الشعبية لتحرير السودان في حكم جنوب السودان مع أنها كانت تملك كثيرا من المال و70 في المائة من السلطة؟"، ومن المرجح أن يتحدى Akol الحركة الشعبية لتحرير السودان في الانتخابات الوطنية المقررة العام المقبل. وبالنظر إلى السجل السيئ للحركة الشعبية لتحرير السودان في توليها للحكم حتى الآن، فقد يكون أداؤه جيدا إلى حد كبير.