بطاقات.. صور .. حكومة إلكترونية.. وخدمة مواطن مشتتة!

إن كنت تستخرج جوازا جديدا أو كنت تضيف مولوداً جديدا أو كنت تطلب تصريحاً لشركة جديدة أو كنت متقدما لوظيفة أو كنت متقدما للحصول على رخصة قيادة.. فإنه سيطلب منك صور لبطاقة الأحوال وصور لوثائق حكومية مختلفة أصدرتها الجهات التي تراجعها نفسها. إن أخفقت في إحضار هذه الصور فإن الموظف ستكون له متعة إخبارك بأن عليك الذهاب وإحضار هذه الصور. وإن ذهبت لتصويرها فمن المحتمل الكبير توجهك للمحال التجارية التي تحيط بالجهة التي تراجعها لتصوير هذه البطاقات والوثائق مما يزيد من الربكة المرورية في المنطقة المحيطة بهذه الجهة.
هل سألت نفسك عن حاجة هذه الجهات إلى هذه الصور في تقديم الخدمة لك؟ كل موظف مزود بجهاز كمبيوتر مرتبط بالنظام في تلك الجهة وفي مقدرته الحصول على معلومات بطاقتك! إن كان الموظف غير قادر على الحصول على هذه المعلومات من خلال جهازه فلماذا؟ وما الفائدة من هذا الجهاز إذا كان لا يوفر معلومات أساسية وضرورية لخدمة المواطن وتسهيل تفاعله مع هذه الجهات؟ وإذا كانت هذه المعلومات متوافرة للموظف من خلال جهازه ولا تزال تلك الجهة تصر على إحضار صور بطاقات الأحوال فهذه الجهة لا تعي مفاهيم عديدة في مقدمتها دورها في تقديم خدمات أساسية للمواطنين, ولا تعي مفاهيم إدارية عديدة وفي أولها معنى العمل البيروقراطي وأضراره, ولا تعي مفاهيم اقتصادية في أولها ما تسببه هذه الجهة من تكاليف كبيرة تضر باقتصادنا, ولا تعي مفاهيم بيئية في استهلاك أوراق يرمى بها في أرشيفها قبل أن تحرق في محرقة المحافظة.
الأمر العجيب هو أن هذه الجهات لا يبدو أنها تعمل لتوفير خدمات مترابطة تسهل حياة المواطن وتساعده على الإنتاج والعطاء للوطن. وبما أن هذه الجهات الخدمية متباعدة عن بعضها بعضا جغرافياً ومنتشرة في أنحاء مختلفة في بعض المناطق فإن وقت المواطن سيضيع ذهابا وإيابا بين هذه الجهات وكأن المواطن لا يملك عملاً يقدم من خلاله خدمة أو منتج يحتاج إليه الآخرون! وبما أننا يضيع كلنا وقت الآخر في القيام بأعمالنا بطريقة لا تأخذ في الحسبان مدى قيمة الوقت لنا جميعاً بسبب فقد فكر تنظيمي تنسيقي فعال, فإنه ليس من العجب أننا نكلف اقتصادنا أموالا طائلة! فإذا كنت من سكان المنطقة الشرقية وأنت موظف في إحدى الشركات وتحتاج إلى تجديد بطاقة الأحوال وجواز سفر فإن يومك سيذهب مسافراً بين أحوال الخبر في حي العزيزية وإدارة الجوازات في قلب الدمام! أي أن اقتصادنا فقَد يوماً من إنتاجك ولأن الغالبية ممن تشاهدهم في هذه الجهات من المراجعين يعملون مثلك فإن الاقتصاد فقد إنتاجيتهم أيضا بسبب التنظيم غير الفعال! وبما أنه من الصعب تجميع كل هذه الجهات الخدمية من جوازات, أحوال مدنية, كتابة عدل, فروع وزارة التجارة .. إلخ. في موقع واحد يوفر على المواطنين جهد المواصلات بين هذه الجهات فإن الأمل يرتكز على نجاح مشروع الحكومة الإلكترونية.
نعول على الحكومة الإلكترونية الكثير من الآمال ومن أهمها عدم حاجة المواطن إلى الذهاب إلى أي جهة لإنجاز هذه الخدمات التي يفترض أن يكون بمقدوره التقديم عليها وإنجازها إلكترونياً. أي أن الحكومة الإلكترونية يفترض أن تكون هي مجمع الخدمات الذي غفي عنها تخطيطنا عند إنشاء هذه الجهات في العقود التي مضت. ولكن هل سيكون للحكومة الإلكترونية النجاح الفعال في خدمة المواطن وفكرنا التنظيمي لا يزال يصر على عدم النظر لمعلومات المواطن على جهاز الكمبيوتر والإصرار على تقديم صور لبطاقة الأحوال؟ نحن نخطو خطوات حقيقية وكبيرة نحو تحقيق اقتصاد معرفي يسهم فيه الجميع. إذا كان لنا أن ننجح في تحقيق هذا الهدف المعرفي فعلينا أن ننجز بعض الأسس ومنها وجود حكومة إلكترونية متكاملة وفعالة. الحصول على نماذج التقديم على هذه الجهات من مواقعها الإنترنتية لا يعد تقدماً أو حتى تسهيلاً ما دمنا نصرف الجهد والوقت نفسه في الذهاب إلى هذه الجهات. المفارقة الحزينة بيننا وبين الدول الأكثر تقدماً هو أن جهاتنا الخدمية أكبر حجماً ومنسوبيها أكثر عددا مقارنةً بهذه الدول التي تعتمد بشكل كلي على تقديم خدماتها إلكترونياً. المفارقة أيضا تكمن في أن المواطن هنا يصرف وقته لخدمة هذه الجهات في تلبية رغباتها البيروقراطية, أما المواطن هناك فإنه مخدوم لا خادم! فوقته أكثر قيمة مقارنة بوقت المواطن هنا!
لم نعد نسمع الكثير عن مشروع الحكومة الإلكترونية وعن تأخرها في التقدم, كيف لها أن تتغلب على الفكر البيروقراطي السائد؟ وكيف لها أن تحث الجهات الخدمية على التنسيق بين خدماتها؟ هل سيذهب هذا المشروع هباء بسبب عدم القدرة على تحقيق مستوى أكبر من التنسيق بين هذه الجهات؟ اليوم المواطن لا يملك الكثير من الوقت في مراجعة هذه الجهات وحاجة اقتصادنا التنافسية لا تتحمل إهدار وقت المواطنين في تصوير بطاقات والسفر بين مراكز الخدمات المتفرقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي