رواد الأعمال .. أبطال عالميون رغم الأزمة العالمية
في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي وبعد ثلاثة أسابيع من الهجمات الإرهابية في مومباي وفي وسط أسوأ أزمة اقتصادية عالمية من الثلاثينيات، قام 1700 من الهنود الأذكياء بالاجتماع في فندق في بنغالور في مؤتمر عن رواد الأعمال، وكان من ضمنهم رجال أعمال أبطال مثل عظيم بريرمجي الذي نجح في تحويل شركة ويبرو من شركة متخصصة في زيوت الخضراوات إلى عملاق برمجي، وكان هناك نندان نيايكاني أحد مؤسسي إنفوسيس، وهي عملاق برمجي آخر.
وحظي المؤتمر بإقبال كبير إلى حد أن المنظمين اضطروا لنصب خيمة ضخمة لاستيعاب الحضور. وكان رواد الأعمال الطموحون يرغبون في الوصول إلى الثراء بل ولعب دور في صياغة الهند الجديدة. وأشاد المتحدثون واحداً بعد الآخر بريادة الأعمال باعتبارها قوة جبارة لإطلاق أعمال وشركات ناجحة.
وإذا عدنا إلى عام 1942، نجد أن جوزيف شومبتر قد أطلق تحذيراً بأن البيروقراطية التي تميز الرأسمالية تقتل روح ريادة الأعمال الجديدة، وبدلاً من المخاطرة بحدوث اضطراب ناتج عن التدمير المبتكر، يقول الاقتصاديون, الذين يعملون وفقاً للنظرية الاقتصادية الكينيزية, والذين يعملون في الشركات الكبيرة والجهات الحكومية أنهم قادرون على إيجاد ازدهار بطريقة منظمة. وعلى أي حال فإن وجهات النظر قد تغيرت خلال العقود الماضية من السنين، وها هم رواد الأعمال الذين ذكرهم شومبتر يجوبون العالم مرة أخرى.
ومنذ ثورة ريغان – تاتشر في الثمانينيات، تبنت كل الحكومات بمختلف توجهاتها الأيديولوجية تقريبا مفهوم ريادة الأعمال الجديدة، وأصبح الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي من المبشرين بهذا المفهوم، وأصبح هذا التوجه في الوقت الحالي يتمتع بأسس ثابتة إلى حد أنه أصبح عرضة للسخرية. فعلى سبيل المثال، تقول شخصية شهيرة في إحدى أفضل الروايات التي صدرت عام 2008م، وهي رواية النمر الأبيض التي كتبها أرافيند أديغا، "ستعرف هناك كل ما تحتاج إلى معرفته عن الكيفية التي ولد بها مفهوم ريادة الأعمال وترعرع وتطور في القرن 21".
وسيناقش هذا التقرير الخاص مفهوم أن فكرة ريادة الأعمال قد أصبحت مفهوماً رئيسياً يدعمه القادة السياسيون ذوو التوجهات اليسارية واليمينية على حد سواء، بقيادة مجموعة ضغط قوية ومدعومة ببنية تحتية متنامية من الجامعات والرأسماليين ويجسدها أبطال أعمال مرموقون مثل أوبرا وينفري وريتشارد برانسون وملوك البرمجيات في الهند. وسيؤكد التقرير كذلك أن مفهوم ريادة الأعمال يتطلب إعادة التفكير في كل الأمور التي تتضمن عدم الهدم المبتكر وإنما تتضمن التشييد المبتكر.
ولا تزال أمريكا هي أكبر منتج لرواد الأعمال، وربما تكون الأضواء قد ابتعدت عن وول ستريت، إلا أن وادي السليكون لا يزال يضيء. ولا يزال الناس يتقاطرون إلى الجامعات الأمريكية سعياً للعمل لدى جوجل أو مايكروسوفت، والكثير منهم يعودون إلى مواطنهم ليبشروا بهذا المفهوم.
وتعتبر شركة إندوس إنتربرايز التي نظمت المؤتمر في بنغالور مثالاً جيدا للتأثير الأمريكي خارج الولايات المتحدة. تأسست إندوس إنتربرايز عام 1992 في وادي السليكون على يد مجموعة من المهاجرين الهنود الذين أرادوا تطوير مفهوم ريادة الأعمال من خلال التعلم وإقامة العلاقات والتعليم، وتضم الشبكة في الوقت الحالي 12000 عضو وتعمل في 53 مدينة في 12 بلداً، ولا يزال مقرها الرئيسي في وادي السليكون. وكان من أهم حضور الملتقى غوروراج ديشباندي من ماتساشوستش وسورين دوتيا من كاليفورنيا، بينما كان المتحدث الرئيسي هو السيد بريمجي من شركة وبيرو، والذي تلقى تعليمه في ستانفورد ويعتبر شخصية مهمة ومؤثرة وكذلك راج جاسوا رئيس شركة إندوس إنتربرايز في وادي السليكون.
وتثير عولمة مفهوم ريادة الأعمال قضايا المنافسة لكل شخص، وبخاصة في الدول الغنية، حيث إن بمقدور رواد الأعمال الحضور من أي مكان، بما في ذلك الاقتصادات التي كانت مغلقة في وقت من الأوقات، وذلك مثل الهند والصين وكثير منهم يستطيع الوصول إلى الأسواق العالمية ابتداءً من يوم افتتاح شركاتهم، وذلك بفضل انخفاض تكلفة الاتصالات.
ولغالبية الناس فإن المصطلح "رائد أعمال" (entrepreneur) يعني ببساطة أي شخص بمقدوره بدء عمل، سواء أكان ذلك العمل متجراً على ناصية أحد المباني أو شركة تكنولوجياً متطورة. وسيستخدم هذا التقرير هذا المصطلح بمعنى ضيق ليعني الشخص الذي يقدم حلاً مبتكراً لمشكلة "كثيراً ما لا يتم إدراكها". وبالتالي فإن الصفة المميزة لريادة الأعمال ليست هي حجم الشركة، وإنما الفعل الابتكاري.
وهناك عدد غير متكافئ من شركات ريادة الأعمال التي تعتبر بدايات صغيرة. وأفضل طريقة لإطلاق عمل ما هي تقديم منتجات أو عمليات جديدة. ومن المؤكد أن الأعمال المبتدئة لن تكون جميعها مبتكرة، فمعظم المتاجر التي تحتل ناصية المباني تفعل الشيء نفسه الذي تفعله المتاجر القديمة. وكذلك ليس جميع شركات ريادة الأعمال جديدة أو صغيرة فشركة جوجل تبتكر باستمرار على الرغم من أنها شركة أصبحت قديمة في وادي السليكون.
والتعريف الضيق لريادة الأعمال له أصل فكري لافت يعود مباشرة إلى شومبتر. يعرف خبير الإدارة المرموق بيتر دروكر رائد الأعمال على أنه شخص "يفسد النظام ويخربه"، كما يقول إن "رواد الأعمال يبتكرون"، ويقول ويليام باومول أحد كبار الخبراء الاقتصاديين في هذا المجال، "الابتكار هو أداة ريادة الأعمال". ويصف باومول رائد الأعمال على أنه "الشخص الذي ينحرف بشجاعة عن أنماط وممارسات العمل الموضوعية". أما هاوارد ستفنسون، الرجل الذي فعل ما لم يفعله غيره في مجال دراسة ريادة الأعمال في كلية هارفارد للأعمال فيعرف ريادة الأعمال على أنها "السعي لاقتناص الفرصة بما يتجاوز الموارد التي تتحكم فيها في الوقت الحالي". وتضع مؤسسة يوينغ ماريون كافمان التي تعد الرائدة في العالم في مجال مفاهيم ريادة الأعمال اختلافا جوهريا بين ريادة الأعمال "المكررة" وريادة الأعمال "المبتكرة".
خمس خرافات
رواد الأعمال المبتكرون ليسوا أكثر أهمية من رواد الأعمال المكررين، فالأخيرون أيضا لديهم وزن اقتصادي لأنهم يوفرون عديدا من الوظائف الإضافية. ووجود عدد صغير من المشاريع المبتكرة المبتدئة يوفر عددا كبيرا من الوظائف الجديدة. ورواد الأعمال يمكن أن يوجدوا في أي مكان، وليس فقط في الشركات الصغيرة. هناك كثير من المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بريادة الأعمال، ومن بينها خمسة مفاهيم خاطئة هي الأكثر إلحاحا. المفهوم الخاطئ الأول هو أن رواد الأعمال هم "أيتام ومتشردون"، وذلك حسبما يقول المفكر الأمريكي جورج غيلدر: أبطال منعزلون يقاتلون ضد عالم عدائي أو معارضون للمجتمع يبتكرون كيانات تغير العالم من مكانهم المنعزل. وفي حقيقة الأمر فإن ريادة الأعمال هي نشاط اجتماعي مثل عالم الأعمال. ورواد الأعمال قد يكونون أكثر استقلالية من غيرهم الذين عادة ما يلتزمون بالقواعد، ولكنهم على الأغلب يحتاجون إلى شركاء وشبكات اجتماعية لكي يتمكنوا من تحقيق النجاح.
ويضم تاريخ الشركات المبتدئة في مجال التقنية العالية سجلا حافلا من شراكات الأعمال: ستيف جوبز وستيف ووزنياك (آبل)، بيل جيتس وبول ألان (مايكروسوفت)، سيرغي برين ولاري بيج (جوجل)، مارك زوكربيرغ وداستن موسكوفيتز وكريس هوغس (فيسبوك). تأسست شركة بين وجيري حينما اجتمع صديقا الطفولة بين كوهين وجيري غرينفيلد لبدء شركة آيسكريم (كانا يرغبان في دخول مجال الكعك، ولكنهما لم يتمكنا من توفير رأس المال المطلوب). واعتمد ريتشارد برانسون (فيرجين) بدرجة كبيرة على ابن عمه سيمون درابر وكذلك على شركاء آخرين. وأوضح رمانا ناندا من كلية هارفارد للأعمال وجاسبر سورينسن من كلية ستانفورد للأعمال أن معدلات ريادة الأعمال أعلى بدرجة ملحوظة في المنظمات التي فيها موظفون, عدد كبير منهم كانوا رواد أعمال سابقين.
وتزدهر ريادة الأعمال كذلك في التجمعات، فثلث رأسمال المشاريع الأمريكي يتدفق إلى مكانين هما وادي السليكون وبوسطن، بينما يتدفق الثلثان إلى ستة أماكن هي نيويورك ولوس أنجلوس وسان دييغو وأوستن وكذلك إلى وادي السليكون وبوسطن. ويرجع ذلك على نحو جزئي إلى أن ريادة الأعمال في هذه الأماكن هي طريقة حياة ـ فالمقاهي في وادي السليكون مليئة بشباب يتحدثون بصوت مرتفع عن خططهم للأعمال ـ وجزئيا بسبب أن البنية التحتية مكتملة، ما يساعد على تقليل تكلفة بداية الأعمال.
الخرافة الثانية هي أن معظم رواد الأعمال من الشباب. بعض من أشهر الشخصيات في عالم اليوم كانوا في حقيقة الأمر صغار السن إلى حد مدهش حينما بدأت انطلاقتهم، مثل بيل جيتس وستيف جوبز مايكل ديل، حيث إن جميعهم غادروا جامعاتهم ليبدأوا أعمالهم، ومؤسسو جوجل وفيسبوك كانوا لا يزالون طلابا عندما أطلقوا شركاتهم. بدأ بين كاسنوشا أول شركة من شركاته حينما كان في عمر 12 سنة، وأطلقت عليه مجلة إنك اسم رائد الأعمال الأول في العام حينما بلغ عمره 17 سنة، وفي عمر 19 سنة أصدر دليلا عن إدارة الشركات المبتدئة.
وعلى أي حال ليس كل رواد الأعمال من الشباب. فمثلا، بدأ هار لاند ساندرز امتياز دجاج كنتاكي حينما كان عمره 65 سنة، كان عمر غاري بوريل 52 سنة حينما غادر شركة أللايد سغنال للمساعدة في تأسيس شركة غارمين والتي أصبحت عملاقا في مجال نظم المعلومات الجغرافية. أما هيرب كيلير فكان عمره 40 سنة حينما أسس شركة الطيران ساوثويست أيرلاينز، وهي شركة أصبحت رائدة في الطيران المباشر في أمريكا. وقامت مؤسسة كوفمان بدراسة 652 رئيسا لشركات التقنية التي قامت خلال الفترة 1995 – 2005، وتوصلت إلى أن متوسط أعمار الرؤساء كان 39 سنة حينما بدأوا أعمالهم. وكان عدد المؤسسين في أعمار تتجاوز 50 سنة أكبر بمرتين من عمر المؤسسين الذين أعمارهم أقل من 25 سنة.
الخرافة الثالثة هي أن ريادة الأعمال يحركها في الأساس رأس المال المغامر. وهذا بالتأكيد مهم في الصناعات التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة مثل التقنية العالية والتكنولوجيا الحيوية، ويمكن أن يساعد الشركات المبتدئة على النمو سريعا. ويقدم الرأسماليون المغامرون لرواد الأعمال النصح والاتصالات والمهارات الإدارية وكذلك المال.
ولكن يذهب معظم رأس المال المغامر إلى شريحة ضيقة من الأعمال هي معدات وبرامج الكمبيوتر وأشباه المواصلات والاتصالات والتكنولوجيا الحيوية، إذ إن الرأسماليين المغامرين يمولون فقط جزءا صغيرا من الشركات المبتدئة. والأموال المطلوبة للغالبية العظمى من الأعمال تأتي من ديون شخصية أو من الأصدقاء والأغبياء والعائلات. وكثيرا ما يشار إلى أن جوجل تعتبر انتصارا لصناعة رأس المال المغامر، ولكن أسس ميسرز برين وبيدج شركة من دون أي أموال وأطلقاها برأسمال بلغ مليونا واحدا جمعاه من الأصدقاء والمعارف.
تؤكد شركات استشارات الإدارة "مونيتور" والتي أجرت أخيرا مسحا مكثفا لرواد الأعمال على أهمية المستثمرين "الملائكة" الذين يعملون في مكان ما في الوسط بين الرأسماليين المغامرين والعائلة والأصدقاء. وهم يتمتعون بعلاقات شخصية مع رائد الأعمال المختار ويرحبون أكثر من الرأسماليين المغامرين بالاستثمار في شركة صغيرة بقابلية أكبر من الاستثمار في فكرة جديدة.
الخرافة الرابعة هي أن على رواد الأعمال أن يقدموا منتجا جديدا يغير العالم إذا أرادوا النجاح. يشير السير رونالد كوهين مؤسس شركة أبيكس بارتنرز التي تعتبر إحدى أنجح شركات رؤوس الأموال المغامرة في أوروبا إلا أن بعضا من رواد الأعمال يركزون على العمليات أكثر من المنتجات. لقد جعل ريتشارد برانسون الطيران أقل مللا بتوفير الترفيه لعملائه، وأقام فريد سمين شركة قيمتها مليار دولار بتحسين توصيل العبوات. وأصبحت أوبرا وينفري أثرى سيدة في أمريكا تصنع نفسها بنفسها من خلال إدارة العلامة التجارية بنجاح.
الخرافة الخامسة هي أن ريادة الأعمال لا يمكن أن تزدهر في الشركات الكبيرة. فكثير من رواد الأعمال هم أعداء لدودون للشركات الكبيرة, وكثير من واضعي السياسات يقيسون ريادة الأعمال من خلال عدد الشركات الصغيرة المبتدئة. وهذا معقول بدرجة كبيرة. فالشركات المبتدئة كثيرا ما تكون مبتكرة وليس مجرد شركات تم تأسيسها، وذلك لأن دوافعها تكون أكثر دقة وتحتاج إلى دخول السوق، ويمكن لرواد الأعمال أصحاب الشركات فعل الكثير وبشكل أفضل.
الأكبر يمكن أن يكون جميلا كذلك
الكثير من الشركات الكبيرة تعمل بجد للحفاظ على روح ريادة الأعمال لدى موظفيها. فمثلا، تعمل جونسون آند جونسون كشركة قابضة توفر الذراع المالية ومهارات التسويق لرواد الأعمال الداخليين. وحاول جاك ويلش تحويل جنرال إليكتريك من شركة عملاقة إلى مجموعة من رواد الأعمال الصغار. وتمكن جورما أوليلا من تحويل نوكيا من شركة تصنع القطع والكابلات المطاطية إلى عملاق في عالم أجهزة الهاتف الجوالة، ويتحدث أولي بيكا كالاسفو الذي شغل منصب الرئيس بعده عن تحول الشركة إلى شركة إنترنت. ومثل هؤلاء الرجال ينتمون إلى فئة الأبطال في عالم رواد الأعمال.
وبنفس القدر من الأهمية، كثيرا ما توفر الشركات الكبيرة للشركات المبتدئة ما تحتاج إليه. وفي عديد من الصناعات وبخاصة الصيدلانية والاتصالات، تعطي الشركات الكبيرة مهمة الابتكار لشركات صغيرة. مثلا، تسعى بروكتر وقامبل للحصول على نصف ابتكاراتها من خارج معاملها. وتتعاون مايكروسوفت على نحو وثيق مع شبكة تضم 750 ألف شركة صغيرة في العالم. وبعض الشركات التي يقترب عددها من 3500 حققت نموا في ظل نوكيا.
ولكن هذا الحماس لريادة الأعمال كيف يواجه الأزمة المالية العالمية؟ يواجه رواد الأعمال مشكلات عملية ضخمة، وهناك صعوبات كبيرة للعثور على عملاء وموردين، وصعوبة في إيجاد التمويل. لقد انخفض استثمار رأس المال المغامر في الولايات المتحدة خلال الربع الرابع من عام 2008 إلى 5.4 مليار دولار، أي أقل بنسبة 33% مقارنة بالعام السابق. وأصبحت المخاطرة أمرا يفضل تفاديه، على الرغم من أنها شريان الحياة لاقتصاد ريادة الأعمال.
قائمة فورشن
وتلقي الأزمة بظلالها كذلك على داعمي رأسمالية ريادة الأعمال حيث تثير تساؤلات مربكة لماذا تحول الكثير من أشهر رواد الأعمال إلى محتالين؟ ولماذا أنتجت ثقافة وول ستريت هذه النتائج الكارثية؟
وبالنسبة للكثيرين يعتبر التغيير في النمط العام مثيرا للقلق. وإذا عدنا إلى عام 2002 أيام فضيحة إنرون، وهي شركة تعمل في تجارة الطاقة، نجد أن الكونجرس قد جعل الحياة أكثر صعوبة للشركات المبتدئة حينما أصدر تشريع ساربانيز – أوكسلي حول حوكمة الشركات. والآن يسعى الكونجرس لمساندة الشركات التي تواجه الفشل مثل جنرال موتورز وقدم مبالغ ضخمة للقطاع العام. يشير نيوت غنغريتش المتحدث السابق باسم مجلس النواب من الحزب الجمهوري إلى مخاوفه من أن رواد الأعمال المرتقبين قد يسألون أنفسهم الآن، لماذا لا نحصل على وظيفة حكومية بدلا من ذلك؟
ومع ذلك فإن التهديد لريادة الأعمال من الناحيتين العلمية والأيديولوجية قد يكون مبالغا فيه. فالأزمة المالية لها فوائدها مثلما لها عيوبها. هناك سهولة في إيجاد موظفين موهوبين وموقع مكتبي، كما أن الأوقات الصعبة تجعل من السهل تحقيق النمو لمن يتمكنون من البقاء. يقول شومبتر إن الأزمة المالية يمكن أن تعتبر "حماما باردا للنظام الاقتصادي"، حيث تحرر رأس المال والعمالة من القطاعات المتدهورة وتتيح الفرصة للقادمين الجدد للدخول بطرق جديدة.
وقال شومبتر كذلك أن جميع الشركات القائمة "تقف على أرضية تتفتت تحت أقدامها". واليوم فإن هذه الأرضية أقل ثباتا عما كانت عليه في أيام شومبتر، ولذلك فإن الفرص أمام رواد الأعمال أكثر عددا. إن عصر المعلومات يجعل من السهل للأشخاص العاديين بداية أعمالهم وأكثر صعوبة للشركات القائمة للدفاع عن منطقتها. وبالعودة إلى الستينيات نجد أن قائمة فورشن 500 كانت مستقرة بحيث احتاج الأمر إلى عشرين سنة لتغيير الشركة التي كانت تحتل المرتبة الثالثة في القائمة. الآن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من أربع سنوات.
وهناك أسباب عديدة لذلك. أولا، ساعدت ثورة الاتصالات على تحرير الشركات القائمة. في عام 1973 قال رونالد كوس في مقالته عن "طبيعة المؤسسة"، إن الشركات تكون عقلانية من الناحية الاقتصادية حينما تكون تكلفة أداء التعاملات تحت سقف واحد أقل من تكلفتها في السوق. ثانيا، النمو الاقتصادي تقوده صناعات مثل الكمبيوتر والاتصالات، حيث يعتبر الابتكار مهما بدرجة كبيرة. ثالثا، الاقتصادات المتطورة تتميز بانحراف من التصنيع إلى الخدمات. وعادة تكون مؤسسات الخدمات أصغر حجما من مؤسسات التصنيع وتكون هناك معوقات أقل.
تأسست مايكرو سوفت وجينيتيك وغاب وذا ليميتد في أعقاب ضمور اقتصادي. وبدأت هيوليت باكارد وجيوفيزيكال سيرفيس (الآن تكساس إنسترومنتس) ويونايتد تكنولوجيز وبولارويد وريفلون في خضم الركود الاقتصادي. تشير استطلاعات الرأي إلى أن رواد الأعمال يرون الجانبين الإيجابي والسلبي من الركود الاقتصادي. في دراسة أجريت في ثماني أسواق في نوفمبر الماضي لصالح شركة إنديفور، قال 85% من رواد الأعمال الذين شملتهم الدراسة إنهم قد أحسوا بالفعل بتأثير الأزمة، واعتقد 88% أن الأسوأ قادم. ولكنهم توقعوا أن أعمالهم ستنمو بنسبة 31% وأن قوتهم العاملة ستنمو بنسبة 12% خلال العام الحالي. واعتقد نصفهم أنهم سيتمكنون من توظيف أفراد أفضل بينما قال 39% منهم أنه ستكون هناك منافسة أقل.