قانون التغير والتغيير

"وهو القانون الرابع من قوانين البناء المعرفي"
الإنسان يتغير، والأرض تتغير، والكون يتغير، وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
هذا هو قانون الوجود. كل يوم هو في شأن، وهو قانون الصيرورة.
والصيرورة كلمة أشكلت علي، ولكن فكها سهل؛ فهي من التصير، وصار الشيء، أي أصبح وتغير من حال إلى حال، فالوجود هو هكذا، والله عبر عن الصيرورة بكلام في غاية الجلال والجمال، في كيفية تبدل خلق أحدنا مرتين وبدورتين.
الأولى الصيرورة في التشكل الجنيني. والثانية في تشكل الحياة طبقا عن طبق.
فمن نطفة إلى علقة فمضغة.. ثم الخلق الآخر. ثم في الحياة من ضعف إلى قوة ثم ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير. وقد ينقلب أحدنا إلى مرض الزهايمر في نهاية الدورة فلا يعلم من بعد علم شيء، ثم تكمل الحلقة دورتها، لتبدأ رحلة خلق جديدة. كذلك النشور.
وقانون الصيرورة هذا هو القانون الثالث من قوانين الوجود عند الفيلسوف اليوناني هيرقليطس، فيلسوف الصيرورة؛ وهو جدير بالحديث عنه في بحث مستقل؛ فهو يقول حين تضع ساقك في برد ماء النهر، ثم ترفعها، وتضعها مرة ثانية لا يبقى ذلك النهر الذي وضعت فيه ساقك نفس النهر السابق، ولا تبقى أنت أنت!.
وهو صادق وكاذب.
هو صادق لأن النهر يتغير فلا يبقى كما كان. بزخمه وكمية مائه، وتياراته، وجرفه للتربة، وعمقه كم بلغ؟
وهو كاذب كون النهر بعمومه يبقى كما هو مع تغيرات طفيفة لا تعد بالحسبان، فلو جلست ذبابة على ظهر ناقلة وبارجة اختل الميزان ولكن برقم تافه لا نحسبه ولا نعلمه، الله يعلمه.
والنموذج على ذلك الدم في جسمنا وما فيه من أخلاط من بروتين وسكر وغازات، فلو حسبنا كمية السكر في ثانيتين في دم أي كائن لما كان نفس الرقم، ولكن حسبانه في 24 ساعة يقودنا إلى مخطط (جاوس) الاحتمالي، أي أن السكر الطبيعي في الدم، أو اليود في الدرق، ومقدار الكلور والصوديوم والبوتاسيوم في البلاسما، تتراوح بين حدود ومخططات، لا تزيد ولا تنقص، وبموجب ذلك نعلم المرض من الصحة، فيقول الأطباء مثلا أن السكر عند الريق يجب ألا يتجاوز 124 ملج، وبعد الطعام بساعتين ألا يقفز عن 140ملج، أما رقم 200 ملج، فهو مرض يجب تتبعه وحربه.
وكذلك الحال مع البوتاسيوم في المصابين بقصور الكلية؛ فالقفز فوق رقم 6 إنذار، أما رقم 8 فهو علامة حمراء، وقد يكون مرحلة ما قبل الوهط والموت، فوجب غسيل الدم فورا، وإلا مات الإنسان مختنقا بأدرانه، فسبحان من وضع الكلية في أجسادنا تغسل 1800 لتر من الدم على مدار 24 ساعة، بما تعجز عنه عشرات من مصالح التنظيف والزبالة في البلديات!
وقانون التغيير كما هو في الكون يتم بالنفس، والسلوك يتبع تغيير النفوس، وتغيير ما بالنفس هو من عالم الفكر، وعالم الفكر يتغير بالكلمة، لذا بدأ القرآن حملة التغيير بكلمة اقرأ؟ وثنى بالقلم وما يسطرون. وثلّث بالرفع بالعلم، وربّع بدمج المعرفة بالإيمان، فبؤس المعرفة بدون إيمان يشرح الصدر، ولا بورك لنا في طلوع شمس ذلك اليوم، الذي لا نزداد فيه علما يقربنا إلى الله تعالى.
وبالمقابل ما أفقر الإيمان بدون معرفة، ولا يمكن لمؤمن أن يدخل محفلا دوليا، وهو غير مدرك طبيعة إضافات المعرفة الإنسانية، إلا وكان مصيره السخرية من المحفل العالمي.
وهي إحدى مشاكل الشلل العقلي في العالم الإسلامي: الانقطاع عن المعرفة، وإعادة الالتحام بعربة التغير العالمي، وهو عمل عقلي أكثر منه اقتناء منتجات الحضارة؟ فالتكنولوجيا هي نتاج من نتاج، طبقا عن طبق؛ الفكر ـ ثم العلم ـ وأخيرا الأشياء.
ولا يظنن من اقتنى الأشياء أنه اقتنى الحضارة ألا ساء ما يحكمون!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي