المؤلف: الدكتور صبري زاير السعدي
الناشر: دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، بيروت، بغداد
الطبعة الأولى: 2009
عدد الصفحات: 648 من القطع الكبير
الرمز المكتبي: ISBN:2-84305-936-X
صدر حديثاً عن دار المدى كتاب بعنوان "التجربة الاقتصادية في العراق الحديث: النفط والديمقراطية والسوق (1951-2006)" للدكتور صبري زاير السعدي يتناول فيه بالتحليل عناصر الاقتصاد السياسي في العراق، النفط والتنمية والديمقراطية، وتقييم تأثيراتها في الماضي والحاضر, معتمداً في ذلك على تجربته العملية الطويلة في تخطيط التنمية الاقتصادية، وليعرض في ضوء استنتاجاته رؤيته لأهميتها في مستقبل التطور الاقتصادي في البلاد، وليقترح بعدئذ المشروع الاقتصادي الوطني "مشرق" كبديل عملي لإعادة تعمير العراق وإنعاش النمو الاقتصادي فيه في الوقت الحاضر. يبتعد منهج الكتاب عن النزعة الأكاديمية لوضع الحقائق والاستنتاجات في أطر مسبقة من التحليلات الاقتصادية المنطقية المتسقة، فحقائق التجربة والاستنتاجات التي عرضها هي التي مهدت لتطوير الدعوة التحذيرية الرائدة عن "الأزمة الخفية" في الاقتصادات النفطية (الريعية) إلى ما يسميه "الفخ الاقتصادي السياسي" في العراق.
يستعرض الكتاب بأسلوب تحليلي تاريخي مراحل تطور التجربة الاقتصادية العراقية خلال الفترة (1951-2006) وتحديد خصائصها البارزة مستهدفاً تقييم مناهج التخطيط وسياسات التنمية الاقتصادية المتعددة التي تم تطبيقها، ليستخلص منها أهمية التخطيط الاقتصادي أو الإدارة السياسية للاقتصاد الوطني والموارد العامة، وخاصة منها النفط الخام، وبيان مدى المشاركة الديمقراطية في صياغة وتطبيق السياسات الاقتصادية والضرورية لضمان مواصلة النمو الاقتصادي وتحسين نوعية الحياة في البلاد. ولمواكبة التطورات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية العالمية المعاصرة. يبحث الكتاب في منطلقات جديدة لتحويل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج قادر على المنافسة في الأسواق الخارجية حيث الدور الفاعل للقطاع الخاص، واعتبار تنمية الموارد البشرية من خلال تأهيل القوى العاملة، وتنمية الموارد الطبيعية من النفط والغاز والأرض الزراعية من العناصر الأساسية للتنمية المستدامة التي يجب حمايتها من التآكل, والحفاظ على حقوق الاجيال القادمة فيها.
وفي التعبير عن علاقات الاقتصاد بالسياسة والمجتمع، لا يتقيد الكاتب بالمفاهيم والآراء التقليدية حيث يرى في طريقة استخدام قوة النفط من قبل الدولة في العقود الأربعة الماضية ما يتجاوز عوامل التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الحقيقي. كما لا يتمسك كلية بمضمون السياسات الاقتصادية المالية والنقدية الكلية وببرامج الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية وتوقيتاتها التي توصي بها المؤسسات الدولية لتحرير الاقتصاد بهدف زيادة نموه, لأنها لا تقترن بالأولوية الاستراتيجية لهدف تقليل الاعتماد الكبير على الريع النفطي في تمويل المالية العامة والاستيراد.
ويرى الكاتب ضرورة دراسة التجربة واستخلاص الاستنتاجات المهمة منها لتحديد قوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الصاعدة في البلاد لأن معطيات الحاضر الجيدة والسيئة هي نتاج لتأثيرات قوى المجتمع الدافعة والعوامل الفاعلة في الماضي. ولكنه يرى أيضاً، أن تطور الحياة وتجدد آفاقها حيث تعاظم زخم الحريات المدنية، وتوسع الحركة الديمقراطية الجديدة، وتزايد الاندماج في الاقتصاد العالمي واشتداد المنافسة الاقتصادية، حيث يعاصر العالم تطورات تكنولوجية ثورية بالغة الأهمية أسهمت في زيادة الإنتاج والإنتاجية بمعدلات عالية، تفرض التحرر من كثير من قيود والتزامات الماضي عند طرح تصوراتنا عن آفاق المستقبل. وفي إطار الفكر الاقتصادي، يرى الكاتب أن هذه الدعوة مقيدة عملياً بعجز التحليلات الاقتصادية عن حل عقدة استقلالية آلية السوق الكفء في تعبئة وتوزيع الموارد الاقتصادية عن آلية توزيع الدخول بصورة عادلة. وهنا يحاول الكاتب التقريب بين هذه المشكلة وتبرير تدخل الدولة في مجالات معينة في الاقتصاد من خلال صياغة السياسات الاقتصادية الكلية المناسبة. ولهذا أيضاً، يقدم تعريفاً "للاقتصاد السياسي للتنمية" لتسهيل مهمة التوفيق بين كفاءة اقتصاد السوق وآلية الأسعار وبين الحاجة إلى ضمانات اجتماعية تحول دون انخفاض مستويات المعيشة الى حدود الفقر لأية فئة اجتماعية.
يتناول الكتاب في أجزائه الثلاثة: النفط والتخطيط الاقتصادي (1951-1979)، والأزمة الكبرى والفخ الاقتصادي السياسي (1980-2003)، والتحديات وآفاق المستقبل الاقتصادي (2003-2006)، التي وزعت بين اثنى عشر فصلاً تناولت مواضيع واسعة شملت شروط النمو الاقتصادي العامة في الفصل الأول، وتناولت الفصول اللاحقة بالتقييم البرامج والخطط خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، وتخطيط التنمية في عقد السبعينيات حيث شهدت التجربة التعبئة والأزمة السياسية معاً، وآليات صنع القرارات وإدارة التخطيط الإنمائي، وتخطيط الاستثمارات العامة، ومتابعة تنفيذ الخطط والسياسات والمشاريع العامة، والتوزان الاقتصادي العام وشروط النمو والتنمية في السبعينيات، والسياسات الاقتصادية ومتطلبات النمو والاستقرار في الثمانينيات، والتخطيط والسوق والتنمية حيث أعيد تقديم الصياغات الرياضية للنموذج الاقتصادي العراقي، وبحث الأزمة الاقتصادية الكبرى والفخ السياسي السائد في العراق، وصياغة الرؤية الوطنية المستقبلية والاستراتيجية بعيدة المدى، وعرض الكتاب أخيراً المشروع الاقتصادي الوطني "مشرق" في الفصل الثاني عشر. وتستعرض فصول الكتاب في ثناياها تفاصيل كثيرة عن مؤشرات النمو الاقتصادي، والاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية، والبحث في طبيعة الإيرادات المالية النفطية، ومراجعة أسس تقييم البرامج والخطط الإنمائية، وتسليط الضوء على خصائص برامج الإعمار وخطط التنمية، وتقدير فاعلية آليات صنع القرارات وإدارة تخطيط التنمية، وملاءمة مؤسسات ومراحل العمليات التخطيطية، ومناقشة أسس تخطيط الاستثمار وتقييم المشاريع العامة، وبيان ضرورة نظام المتابعة المركزية وأهميتها في تحديد مشكلات التنمية الاقتصادية، وعرض مشكلات تنفيذ وتشغيل المشاريع العامة، وتحليل طبيعة التوازن الاقتصادي في ظروف الازدهار والانحسار المالي النفطي. كما يقدم الكتاب تفاصيل المشكلات الاقتصادية في فترة الحرب الطويلة مع إيران والمواقف والآراء السياسية إزائها. ولتسهيل جهود التخطيط، يناقش الكتاب تأثير علاقة الساسة بالاقتصاديين المهنيين في مؤسسات التخطيط الحكومية ومتطلبات تطويرها، والبحث في ضرورة اللامركزية والفيدرالية. ويقدم الكتاب آراء في الريع النفطي والأيديولوجية والتطور التاريخي للمجتمع، كما يقدم مقاربة في معايير الحرية الاقتصادية الشائعة ومتطلبات السياسات الاقتصادية، وذلك بهدف تعزيز التحليلات للأحداث وللسياسات الاقتصادية الجارية.
ويبرز في الكتاب اهتمام خاص بضرورة الرؤية الوطنية المستقبلية في مقابل منهج العمل التقليدي بالاستراتيجية الإنمائية البعيدة المدى الذي جرب في العراق خلال السبعينيات.
وفي إطار كل فصل من فصول الكتاب، يحاول الكاتب المقاربة والمقارنة بين العناصر الأساسية التي يتناولها في ذلك الفصل بهدف ليس فقط تعزيز التحليلات والاستنتاجات المقدمة، بل أهم من هذا، وضع المفاهيم الاقتصادية السائدة في بيئة الاستثمار والأعمال الحديثة في إطار المقارنة بما يرد في الكتاب من مفاهيم وآراء. فمثلاً، يناقش الكتاب في الفصل الأول بروز أهمية النفط الكبيرة في التطور الاقتصادي الذي بدأ في الخمسينيات، ومعه يدرج المقاربة النظرية عن القيمة والريع والنمو الاقتصادي للدلالة على طبيعة المشكلة الاقتصادية وجذورها ومظاهر تطورها منذ كانت في المجتمع العراقي القديم, حيث بدأ الفائض الغذائي (الاقتصادي) يؤسس لتطور المؤسسات والتنظيمات والثقافة، ولنشوء مراتب اجتماعية هرمية وغير متساوية، ثم يستعرض تطور مفهوم القيمة في النظرية الاقتصادية ومحاولات تطوير الآراء الاقتصادية في الإسلام، والبحث في الريع وجذوره في النشاط الاقتصادي القديم والحديث ليصل إلى استنتاج بأن وجود "الريع الاقتصادي" أو "الربح غير الاعتيادي" في الدولة العراقية يثير في الوقت الحاضر مسائل مهمة تتعلق بالكفاءة الاقتصادية في إنتاج وتصدير وتصنيع النفط الخام، وبحاجة العراق للموارد المالية النفطية، وبوجود المشكلة الاقتصادية الهيكلية المتمثلة بالاعتماد الكبير على الريع النفطي وضعف القطاع الخاص.
ويؤكد الكتاب على عدم وجود حدود مادية أو فكرية أو أخلاقية تقيد الانتفاع من التجارب الوطنية فليس هنالك قوانين اقتصادية وطنية وخاصة مع توسع تيار اندماج الاقتصادات الوطنية في السوق العالمية وانتشار معطيات الثورة التكنولوجية المستمرة. ولذلك، فإن من المتوقع في العراق، كما هو الواقع في بلدان العالم ، طغيان الاهتمام بدور استثمارات القطاع الخاص الوطني والأجنبي وانتشار ثقافة اقتصاد السوق والأعمال ومواصلة عقد مؤتمرات وفعاليات الترويج للشركات العالمية الكبرى. هذا فيما يتراجع دور الدولة الاقتصادي ومشاريع القطاع العام وتتضاءل الثقة بقدرتها على الانتفاع من الريع النفطي في تمويل وإدارة التنمية. ولذلك، يطرح الكاتب المبادرة فيما يسميه "المشروع الاقتصادي الوطني" "مشرق" لإعادة إعمار العراق ولاستعادة قدرته على النمو الاقتصادي بعد التدهور السريع الذي عانته البلاد منذ مطلع عقد الثمانينيات، ليصل مستوى الكارثة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في التسعينيات وحتى سقوط النظام السابق في نيسان (أبريل) 2003، ثم استمرار هذا التدهور بعد الاحتلال. ويرى الكاتب في المشروع المقترح منطلقاً لتطوير الآراء الليبرالية والديمقراطية والاجتماعية التقدمية المبعثرة ولتكثيف جهود دعاتها العملية نحو تطوير الحركة السياسية الديمقراطية في العراق.

