فراج والكرسي المتحرك والغفيص

أما فراج فهو شاب عشريني وفقه الله في قضاء جل وقته إلى جانب والدته برا بها بعد أن أقعدها المرض، يتفقد قدميها، ويقبل يدها، ويصلح عجلات كرسيها المتحرك. جاء صوته عبر الهاتف هذا الأسبوع كأنه القطر، حيث فاجأني بأن شرفني بمتابعة مقالاتي. أقصى ما يصبو إليه كاتب بسيط مثلي أن يكون له قراء على شاكلة فراج، يقرأون بفكر، وينتقدون بأدب، ويقترحون بعمق.
فراج شكا في مكالمته من ارتفاع أسعار قطع غيار الكراسي المتحركة حيث يسافر من مدينة إلى أخرى للبحث عن "صامولة" أو مفتاح لفك هذا "البرغي" أو ذاك "السير" أو توفير قطعة بلاستيكية تقي المريض بعض آثار الجلوس الدائم. يقول في غالبية المناطق لا توجد ورش تصليح لهذه الكراسي مما جعله وأمثاله "يهندس" كرسي أمه على طريقته الخاص. مثل هؤلاء غالبا ينتهي بهم الحال في شارع الضباب في الرياض الذي قلنا ذات مقال إن أبرز ما يميزه ارتفاع أرصفته وكأنها نكاية بالمعاقين الذين يبحثون عن تخفيف معاناتهم.
طبعا هذا الحديث لن يكون عن ارتفاع أسعار الكراسي والاستغلال الكبير الذي يتعرض لها كثير من المرضى عند شرائها، ولا عن الارتفاع الخيالي في أسعار قطع الغيار بدعوى عدم التوافر، ولا عن العمالة التي تستفرد بإصلاح هذه الآلات وكأنها أحد أسرار المفاعل النووي الإيراني، ولا عن مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية أو وزارة التجارة. كل ذلك يمكن أن يكون "حكي في حكي" لأن كثيرين قد دب فيهم اليأس من الحديث في مثل هذا الأمر.
لكن ما يمكن أن يخفف عن هؤلاء وربما يكون وسيلة لخلق فرص عمل لكثيرين سواء من المقعدين أو الأصحاء هو تشجيع الشباب على إقامة ورش خاصة بمثل هذه الآلات سواء الكراسي المتحركة أو قطع غيارها. أتصور أن من المناسب أن تتحرك المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لتأهيل الشباب من خلال إدخال تخصصات في كلياتها التقنية تصب في هذا الاتجاه، خاصة أن على رأسها شخص مثل الدكتور علي الغفيص المبادر لمثل هذه الأفكار. وسيكون رائعا لو كان هناك تنسيق مع صندوق الموارد البشرية أو بنك التسليف والادخار لمساعدة الخريجين على تحمل إنشاء ورش ودعمهم بالقروض كما في مجالات أخرى. أي بركة سنجنيها من مثل هذه المشاريع وأي معاناة سنخففها .. وأي بطالة سنساعد في تقليصها .. فهل من مبادر؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي