حين قرر أحمد أنه الموت!
(لا أحيا إلا لأن في وسعي الموت متى شئت .. لولا فكرة الانتحار لقتلت نفسي من البداية) – إميل سيوران.
هذه العبارة المقتبسة أول ما يصادفك في صفحة كاملة برواية (فصل آخر في حياة الأشياء) للروائي السعودي أحمد البشري، قبل حتى أن تداهمك صفحة الإهداء، صدرت الرواية في عام 2008 م عن النادي الأدبي بحائل بالتعاون مع مؤسسة الانتشار العربي.
يريد الكاتب بهذا أن يهيئك لموت محتمل، لفكرة غياب جزئي عن الحياة، لهاجس الموت حين يتحول دون إدراك ودون انتظار ودون توقع إلى حقيقة!.
ثيمة الموت والبرزخ في الرواية كانت رائعة، مجرد تصوير ما ستكون عليه حالة كهذه يحتاج إلى الكثير من التخيل و الجنون.
الرواية تدور حول أربع شخصيّات: توفيق العامل في المغسلة، جابر المهووس بالأعداد، صبور العامل، الميّت في الثلاجة،" فلاشات " تعبر الشخصيات وتحاول أنها تربط بينهم، ليدور العالم ويتسع ثم يعود لنقطة صغيرة واحدة !
يشترك هؤلاء الثلاثة برابط الموت، ويختلفون بالذهاب إليه، توفيق الذي يشعر بأن الأموات الذين ما زالوا في الثلاجة يشعرون بمن حولهم، فيظل يحكي معهم طول تواجدهم ويحسن ضيافتهم، صبور الذي جاء و ذهب دون أن يشعر لأن ثمة غرابة في كل ما يحدث، جابر المهووس بالأرقام والذي كان يشعر بأنه على مقربة من الموت .. قرر أن يموت، والميت الأخير الذي كان يلمس دون تحرك كل ما يحدث حوله حين كان يحكي قصة موته.
ما ميّز الرواية كونها أشبه بفيلم سينمائي أراد المخرج ألا يكون متواصلاً في عرضه، أراد أن يظهر كفلاشات من كل جانب و يدع للمشاهد في كل مرة أن يدرك أن هذا المشهد اتصل بمشهد آخر بهذه الطريقة، فلم تكن قصة الرواية متتابعة بشكل متسلسل، بل كانت تراوح بين الأزمنة و الأمكنة.
لم يعقني بشكل ما عن الاستمتاع التام بقراءة الرواية سوى أن هناك بعض الأخطاء المطبعية قمت بتعديلها و هناك أخرى تتعلق بالسياق أشرت إليها، ربما الأمر يعود إلى كون الكاتب لم يقم يتنقيح الرواية ولا إعادة قراءتها بعد أن كتبها منذ عام ????م.
هذه المرة الأولى التي أقرأ فيها "القاص" أحمد البشري (روائياً) فقد كنت أتابعه منذ مدة طويلة (قاصاً)، أشعر بأن ربما هناك "أحمد" آخر يكتب القصة القصيرة لا يتعلق بهذا، ليس لأن أحدهما تغلب على الآخر، بل لأن لحكاية كل منهما نكهة خاصة !
منذ صدور هذه الرواية، راهنت عليها، ليس فقط لكوني أؤمن بالأدب بالمحلي، بل لأني تابعت البشري بما فيه الكفاية لأعرف أن الرواية لن تخرج بشكل عادي، لأنه باختصار لا يعرف كيف يكتب بشكل عادي.