هل المديرون التنفيذيون السعوديون لا يؤمنون بالبحث العلمي؟

كثيرا ما نقرأ أخبار تبرع الشركات السعودية ورجال الأعمال السعوديين مشكورين بدعم البحث العلمي, خاصةً الكراسي البحثية في الجامعات السعودية وغير السعودية. تبرع الشركات لدعم البحث العلمي في المملكة له سبب وحيد, إلا ما رحم الله, فالغالبية من الشركات تضطر إلى التبرع بسبب الضغط الناتج عن أهمية أن تظهر الشركة بالقيام بالمسؤولية الاجتماعية الذي يتوقع منها. في هذا الصدد فإن البعض منها يجد هذا الطريق فاعلا في الحصول على أكبر تغطية إعلامية, فدعم الجامعات الكبرى يؤمن تغطية إعلامية أكبر مقارنة بالجامعات الجديدة والصغرى التي لا تقدر على تأمين التغطية التي تهدف إليها! وهذا هو أحد الأسباب الذي مكن بعض الجامعات السعودية الكبرى من استقطاب مبالغ ضخمة مقارنة بقريناتها مما لم تحسن إحداث ربط وعلاقة مباشرة مع الإعلام!
من يقرأ هذه الأخبار يعتقد أن هذه الشركات ومديريها يؤمنون بأهمية البحث العلمي ليس فقط للمجتمع وتطوره ولكن لهذه الشركات ومستقبلها. إلا أن الحقيقة المناقضة لا تؤيد هذا الاتجاه العلني, فعلى الرغم من كبر هذه الشركات وانتشارها العالمي وضخامة عملياتها الصناعية, والإنتاجية والخدماتية إلا أن كثيرا من هذه الشركات لا توجد فيها مراكز للأبحاث والتطوير وعندما تنشأ كرسي للبحث في إحد الجامعات فإنها لا تتوخى الفائدة منه بمقدار ما تتوخى الفائدة الإعلانية عن تأسيسه! هذا بلا شك مؤسف ويدل على عدم إلمام بعض المديرين بأهمية أن تكون شركته معاصرة لحد المعرفة الجديدة وأهميتها لمستقبل الشركة التنافسي. بغض النظر عن تخصص أو القطاع الذي تعمل فيه الشركات فإن البحوث أساسية في تمكين المديرين من تحقيق التغييرات التي يتطلبها المستقبل.

هناك شركة كبيرة لها نجاح كبير جداً في هذا الشأن ألا وهي شركة أرامكو التي تمتلك من مراكز البحوث والعلاقات العديدة والمباشرة مع جامعات محلية ودولية ما يمكنها من المحافظة على الحد التنافسي في مجال إنتاج البترول وتصفيته وتصديره. النجاح هذا لم يأت من فراغ, فلشركة أرامكو براءات اختراع عديدة مسجلة, وهي ما لم تحققها شركات أخرى صرفت على البحوث كثيرا من الأموال مثل شركة سابك.
التمييز بين البحوث المختبرية والبحوث الإدارية/التسويقية مطلوب, ولكن كليهما له أهمية كبرى وكليهما يعاني مواقف المديرين التي لا تدل على إدراكهم أهمية هذه البحوث لمستقبل شركاتهم! حتى إن وجدت في شركاتهم مراكز للبحوث فإن عدم تصديقهم بفائدتها أو عدم ثقتهم بدقتها يفقد هذه البحوث قيمتها التي صممت وأعدت لإدارة الشركة وليست للنشر الأكاديمي.
في أكثر من مناسبة ومكان التقيت عديدا من المديرين السعوديين ودار الحوار حول شركاتهم ومدى تأثير الأبحاث في قراراتهم الاستراتيجية. فوجئت بأن العدد الأعظم منهم لا يثق بدقة البحوث المقدمة لهم من موظفيهم أو الشركات الاستشارية التي يتعاقدون معها! بعضهم لم يقدر على ربط نتائج البحوث مع واقع السوق وتطورها. مما لا شك فيه فإن الأمر خطير لأن هذا يعني أن هذه الشركات ستجد نفسها في موقع يجب فيه أن تتخذ ردة فعل بدل عن أن تكون هي من أحدثت الفعل, فهذا ما يميز الشركة القائدة للسوق من الشركة التابعة للسوق.
في إحدى زياراتي للسعودية زرت مركز أبحاث في أحد بنوكنا الكبرى, لقد أبهرني كبر هذا المركز وعدد موظفيه. كان يتولى إدارته ثلاثة مديرين لم يكونوا سعوديين (غربيين) وكان من الواضح تمكنهم البحثي. دخلت في محادثة طويلة معهم امتدت عدة ساعات وبعد أن أكدت لهم أنني لا أرغب في العمل في البنوك (بطريقة غير مباشرة!) بدوا أكثر انفتاحية وصراحة في حديثهم. تكلمت معاتباً إياهم على عدم القيام بأنواع من البحوث التي تستشف المستقبل وتطور الخدمات البنكية في المملكة فهذا سيميز بنكهم ويحسن من مقدرته التنافسية. أجابوا بأنهم قادرون على عمل هذه البحوث (وأنا واثق من قدرتهم على القيام بهذا) إلا أنهم غير قادرين على تفسير النتائج بشكل دقيق في بيئة سعودية ليسوا على دراية دقيقة بما خفي في عاداتها وقيمها وتوجهها. ولم يكونوا يثقون بمقدرة من يعمل معهم من السعوديين على تقديم التفسير والتوصيات بطريقة تربط نتائج البحث بشكل دقيق بمحيط الشركة وتوجه السوق بطريقة تعزز ثقة المديرين باتخاذ قرارات مهمة. بعض هذه البنوك والشركات لا تقدر حتى على التعرف على التحديات الداخلية فيها والمتعلقة بموظفيها إلا ما لاحظته العين أو اشتكى منه الجريء من الموظفين, هذا شيء عقيم إدارياً!
اليوم ومع تزايد اهتمامنا بالبحوث العلمية في مؤسساتنا المختلفة يجب أن نحد من الأموال المهدرة على البحوث التي لا تعني شيئا سوى الدعاية لشركة أو بنك وتوجيهها لما يمكن أن يدر فائدة وفهما جديدا. ويجب أن نعمل على الربط بين نتائج البحوث والواقع الذي تعالجه, فلا يمكن لنا من تضييع فائدتها بسبب عدم قدرة توصيل نتائجها بشكل مقروء ومفهوم من قبل المديرين. المديرون يجب عليهم تحسين فهمهم للعملية البحثية لكي يتمكنوا من فهم نتائجها والثقة بها, فلا يمكن لهم من المواصلة في متابعة البيئة المحيطة وتغييراتها ومن ثم إحداث ردة فعل لها وتكوين تصور جديد لمسار شركاتهم فهذا سيحدث تخبطا حتى وإن كان مقنعاً! احتياجاتنا المستقبلية إلى تطوير مقدرتنا التنافسية متزايدة فلا بد من دعمها بفهم أحسن للبحوث العلمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي