كانت صورة شيبان المسجد في الماضي، تعكس رحابة وبساطة الناس، ووعيهم بمفهوم التدين. لم تكن وجوههم متجهمة، ولا رؤيتهم تسبب نوعا من التوجس. هذه الصورة استعدتها منذ بضعة أيام وأنا أزور إحدى المدن الصغيرة.
تذكرت وأنا أدلف إلى المسجد أن هذه الرحابة والسماحة هي العنوان الحقيقي لمجتمعنا، حيث يعرف الناس بعضهم، ويتبادلون الأخبار قبل الصلاة أو بعدها.
المساجد حينها كانت بسيطة ولكنها رحبة بشاغليها، ممن ينعكس التدين عليهم قناعة وفرحا وحبورا. ولم تكن تسمع منهم رأيا يتوشح بالعنف أو الرغبة في الإقصاء. لكن مؤثرات كثيرة، جعلت أفرادا من الأجيال التالية، تستهلكها القراءات المؤدلجة، فتحول الدين في منظورهم من صيغة حياة إلى فعل موت.
في الثاني والعشرين من هذا الشهر (مايو) يرعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري الذي ينظمه كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري في جامعة الملك سعود.
في السابق، كان شيبان المسجد صمام الأمان، والضمانة التي تجعل الأمن الفكري واقعا. كانوا إذا رأوا شذوذا أو خروجا لدى أحد من الأبناء واجهوه وأقنعوه. لكن تعقيدات الحياة المعاصرة، واختلاط المفاهيم، وعولمة "التدين المسيس" أفرزت أمورا عانت المجتمعات منها نتيجة استغلال الدين والاتكاء عليه لتحقيق أهداف مشبوهة. أتمنى أن يستمر هذا المؤتمر بشكل سنوي وأن نتلمس نتائجه التي توقف حالة الاختطاف الفكري لبعض شبابنا.
