في أي محطة أنت؟ محطات التنمية السعودية الحاضرة - الجديدة والقادمة
تنوعت محطات النظر والآراء في مسيرة السعودية كثقافة ودولة وتنمية. محطات توزعت بين كان، الآن، والآتي، اختلفنا في توقفنا بها وتوجهنا منها، فمنا من لا يزال في محطات "كان" ومنا من غادرها ليعود إليها، فالماضي له كل شيء، زينة حياته وجمالها محبوسة في تلك المحطات القليلة والبسيطة التي عشقها ورفض مغادرتها. ومنا من تردد بين ماضيها وحاضرها، باحثاً عن إجابة يشبع بها نقص فهمه لتناقض وقته وناسه وتنميته! ومنا من ركز على حاضره مستشفاً ومتلمساً لغده، إلا أنه لم يجد محطات الغد القادم حتى وإن كثرت الطرق المنبعثة من محطات الحاضر إليها، فمحطات الحاضر تقع بين مفترق الطرق، فأي طريق يأخذه؟ وإلى أي مصير سوف تقوده هذه الطرق؟ محطات الماضي والحاضر التقت فيها الأجيال لتتبادل التجربة والمعرفة وهموم رحلة التنمية السعودية نحو مستقبل ما زالت محطاته تبنى ولا تزال الطرق إلى هذه المحطات تحت الدراسة والتخطيط والتنفيذ وهنا يكمن تحدينا الأكبر، فهذه الطرق ليست حديدية أو أسفلتية أو جمادية أو مرئية، فهي رؤية ذهنية وتخيل سليم لما نريد أن نكون في محطات تعزز حضور ماضينا وتقوي طموح حاضرنا لغدٍ متجدد.
هي مسيرة تنمية مستمرة لا نهاية لها، تباينت فيها التوجهات والاهتمامات واختلف فيها التركيز التطويري جغرافياً وثقافياً من عقد إلى آخر. حظيت في عقود التنمية السابقة المناطق الكبرى الثلاث (الشرقية، الوسطى والغربية) بتركيز كبير أدى إلى تركز الأعمال بها فيما حظيت المناطق الأخرى بتنمية وجهت نحو البنية التحتية لهذه المناطق. إلا أن المشاريع التنموية الداعمة لاقتصاد المناطق، باستثناء المناطق الثلاث الكبرى، لم تتعد بعض المشاريع الأساسية مثل المدارس والمستشفيات حتى بداية هذا العقد الذي أسست فيه مشاريع تنموية تفيد اقتصاد المناطق الأخرى بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال، إنشاء الجامعات في مناطق المملكة وخاصة الشمالية والجنوبية منها مثلت دعماً كبيراً لاقتصاد هذه المناطق. مثل هذه المشاريع تُحدِث تنمية في المنطقة لم تكن لتكون إلا بهذه المشاريع، فالجامعات الجديدة توظف الآلاف من السعوديين ومن حولها أنشئت مشاريع خدمات خاصة قام بها أهالي المناطق التي بدورها توظف المزيد من طالبي العمل. مثل هذه المشاريع التنموية تمثل محطات جديدة لبناء السعودية الجديدة والمتجددة بتنميتها الشاملة لكل المناطق. من مثل هذه المشاريع التنموية تنبثق طرق المستقبل ومحطات تنميته التي سوف نجتمع فيها كسعوديين لنختار توجهنا القادم في ظل تحديات لا نعرفها في يومنا هذا وفي حاضرنا الذي سوف ينطوي في صفحات الماضي في المستقبل القريب.
السعودية ذات التنمية الجديدة والقادمة يفترض أن تشهد تنمية أكبر خارج المناطق الثلاث الكبرى وخاصة في الصناعات الأساسية للمملكة والقطاعات التي نعول عليها أن تكون رافداً مهماً لاقتصادنا في محطات المستقبل مثل السياحة. الارتفاع المتزايد للسكان في سعودية الغد سوف يشكل مشكلة كبيرة ما لم نحسن توزيع مشاريع التنمية هذه. فلا تزال هناك مناطق لم تشملها مشاريع المواصلات وهي الأساسية في أي بنية تحتية، السكة الحديد لن تصل إلى كل مناطق الشمال والجنوب، لا أدري لماذا؟ الطرق المزدوجة بين المناطق لن تشمل بعض المناطق أيضا! تنمية اليوم لا تأخذ بالاعتبار تنمية الغد بشكل كامل أو لم يتم توزيعها بشكل يواكب احتياجات كل المناطق وتحديات الغد القادمة. التنمية تنشئ محطات عديدة تعطي السعوديين حرية العمل في أي محطة في أي جزء من المملكة، إلا أنه لن تكون لدينا هذه الحرية إذا لم تحظ المناطق الأخرى بمحطات تنموية يمكننا العمل بها من أجل السعودية الجديدة والقادمة. لا نريد أن نكون مزدحمين في مناطق ثلاث ازدحمت بمحطات لن تستوعب كل السعوديين ولن يكون لنا فيها المقدرة على العطاء الإبداعي للسعودية القادمة بأجيالها الجديدة.