هـل أجـرؤ أن أقـول شـــيئاً ؟
نشرت صحيفة هندية أخيرا مقالاً ذكرت كاتبته أن حجم الخوف في بيئة العمل الحديثة مثير للغاية. والمدهش أن الكاتبة، وهي تتحدث عن الخوف في أماكن العمل، قد استقت معلوماتها من بيانات متوافرة في دولة ديمقراطية تتمتع بحرية الرأي وحرية الصحافة!!
إن الموظفين يمثلون أعظم ثروة لأي شركة. لهذا فمن المخجل ألا نشجعهم على الحديث بصراحة ومن المحزن أن الكثيرين منهم يخافون من الحديث وبالتالي توصيل أفكارهم إلى رؤسائهم مما يؤدي بالتالي إلى أن يخسر أرباب العمل المعرفة والتجارب التي تكون شركاتهم في أمس الحاجة إليها.
وعددت (آمي إدمونسون) من (هارفارد بيزنس اسكول)، التحديات التي يمكن أن يواجهها الموظف إذا تحدث بصراحة إلى رؤسائه ولخصت بحثها كله في عامل الخوف، إذ لا يعرف الموظفون ماذا يريد رؤساؤهم أن يسمعوا لهذا خفتت أصواتهم، وتوقفت اتصالاتهم، ويقلقهم أي سوء تفسير لما يقولون مما قد يخلق لهم مشكلات كبيرة.
شخصياً، رأيت هذا يحدث في عدد من الشركات عندنا حيث لا يريد أي شخص أن يبحر بالمركب. وسمعت في إحدى المرات شخصاً يقول "إن الرئيس دائماً على حق" فبادرته بقولي إن الرئيس أيضاً إنسان وإن أي إنسان معرض للخطأ والصواب. فرد علىَّ قائلاً إن لديَّ أربعة أفواه أقوم بإطعامهم فسقط من نظري وفقد احترامي ولم أجد في نفسي الرغبة في مواصلة الحديث معه.
وتعتمد الاتصالات على الثقافة السائدة في الشركة أو المؤسسة. وحيث إننا جزء من مجتمع أبوي، فإن الاتصالات تجري من أعلى إلى أسفل وبهذا فهي عبارة عن مونولوج أي حوار الشخص مع نفسه بدلاً من الحوار مع الآخرين، وبعبارة أخرى أشبه بحوار الطرشان. وهذا شيء متأصل في ثقافتنا فنحن لا نشجع الصغار على الحديث بل قد نستنكر عليهم ذلك إذا فعلوه سواء في البيت أو المدرسة أو مكان العمل.
وهذا الموقف ينعكس سلباً على قدرتهم على المناقشة وإبداء آرائهم وأفكارهم التي لا أشك أن بعضها على الأقل ستكون أفضل من أفكار رؤسائهم إذا تم أخذها بعين الاعتبار وتم تنفيذها.
وفي مثل هذه البيئة، كيف تتوقع من الناس أن يتحدثوا بصراحة ويعبروا عن آرائهم وأفكارهم؟ أعتقد أن الشركات إذا أرادت أن تستمر في البقاء وسط هذه البيئة التنافسية، فعليها أن تغير من ثقافة الاتصالات السائدة فيها.
إن على المديرين تشجيع الموظفين على الحديث الصريح ووضع الذين يتمتعون منهم بالعلم والمعرفة والكفاءة في المراكز القيادية وأيضاً تقييمهم ومكافأتهم.
وقد لاحظت –للأسف الشديد – خلال السنوات أن غياب الصراحة وانعدام التقييم قد أديا إلى ترقية الموظفين الأقل إنتاجية والذين لا يستحقون.
والحديث الصريح لا يعني الوقاحة أو انعدام الكياسة فيمكن للإنسان أن يكون مهذباً وهو يطرح أفكاره ومرئياته وإلاّ فإن النتائج ستكون عكسية. وفي المجتمعات المفتوحة، فإن المناقشات وقدح الأذهان وتبادل الأفكار والآراء تؤدي إلى تماسك العمل ونقاء بيئته. إننا لا نتحدث ونستمع لنكسب منافسة بين المشاهير. وعليه، فيجب أن تقوم الشركات بمكافأة المخاطرين بالحديث وليس معاقبتهم.
ويجب أيضاً أن يحرص المديرون على الوجود في مكان العمل. وتحضرني في هذا الإطار الأيام الذهبية للخطوط السعودية، حيث كان الرؤساء يجلسون ويستمعون، وحيث كانت الاتصالات، والحوار، وتبادل الأفكار تشكل جزءا من ثقافة المؤسسة، وكانت النتيجة هي بلورة وتنفيذ الكثير من الآراء والأفكار.
ومما لاشك فيه أن الشركات لا يمكن أن تتغير كلها وفجأة لكن عليها، إذا أرادت أن تعيش، أن تركز على التغيير، وأن تعلم أن الرئيس ليس دائماً على حق وأن الأفكار المفيدة قد تجيء من أصغر الموظفين!!
لقد آن الأوان لكي نعيد التفكير في ماهية القيادة وأن نرى أن الموظفين سواء كانوا في الحكومة أو القطاع الخاص منغمسين في عملهم. عندئذٍ فقط سنحقق التقدم.