Author

أهمية حماية الأقلية في مشروع نظام الشركات الجديد

|
تناولت في مقال سابق توضيح أهمية تعديل نظام الشركات السعودي باعتبار أن ذلك يُعد أمراً ضرورياً في ظل العديد من المتغيرات، خاصة بعد انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية. ومن أهم المسائل التي تتطلب إعادة النظر فيها في مشروع النظام الجديد مسألة حماية الأقلية من القرارات التي تتخذها الأغلبية في الجمعيات العامة للمساهمين في الشركات المساهمة؛ حيث إن هذه المسألة تُثير العديد من المنازعات بين الشركاء التي تم رفعها إلى ديوان المظالم. ذلك أن نظام الشركات الحالي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/6) وتاريخ 22/3/1385هـ, يتضمن العديد من النصوص التي تمنح الأغلبية في الجمعية العامة غير العادية في الشركات المساهمة صلاحيات كثيرة حماية لمصالح الشركة حتى ولو لم تكن متوافقة مع رأي الأقلية. ومن أهم المسائل التي يجوز لتلك الجمعية أن تتخذ قرارات بشأنها مسألة تعديل النظام الأساسي للشركة. ومن المعلوم أنه مهما كانت خبرة مؤسسي الشركة ودرايتهم فإن ذلك لا يمنع من ظهور الحاجة إلى تعديل نظام الشركة في المستقبل نظرا لما قد يحدث من ظروف تستدعي ذلك ؛ ومن ثم فإن الغالبية العظمى من قوانين وأنظمة الشركات تتضمن نصوصاً تُعطي للجمعية العامة غير العادية صلاحية تعديل النظام الأساسي للشركة, بحيث يُمكن لها أن تُعدل غرض الشركة أو مدتها بالإطالة أو التقصير أو تعديل اسمها أو مركزها أو رأسمالها بالزيادة أو الإنقاص, وتعديل أسعار الأسهم أو إنشاء أسهم ممتازة أو إيراد قيود على تداولها أو تعديل قواعد توزيع الأرباح أو الخسائر أو الاحتياطي أو تشكيل هيئات الشركة وكيفية أدائها لوظائفها. ومع ذلك فإن بعض القوانين العربية والأجنبية لا تمنح الجمعية العامة غير العادية صلاحية تغيير جنسية الشركة, لأن ذلك يعني إعطاء الشركاء صلاحية التهرب من تطبيق القانون الوطني عليها وهذا من شأنه المساس بحقوق بعض المساهمين. بل لا يجوز تعديل جنسية الشركة ولو بطريقة غير مباشرة أو ملتوية, وذلك من خلال صدور قرار عن الجمعية العامة غير العادية بنقل مقر الشركة إلى دولة أخرى, لأن ذلك معناه الأخذ بأحكام قانون الدولة الجديدة التي تم نقل مركز إدارة الشركة لها, ولهذا فإنه يجب موافقة جميع الشركاء المساهمين على قرار نقل مركز الشركة, وإلا فإن اتخاذ مثل هذا القرار برأي الأغلبية يعني تغيير جنسية الشركة رغم أنف الأقلية. كما أن من المسائل التي لا يجوز اتخاذ قرار بشأنها برأي الأغلبية مسألة زيادة التزامات وأعباء المساهمين أو رفع سعر السهم, لأن عدم زيادة التزامات المساهم يُعد أحد الحقوق الأساسية التي يكفلها السهم للمساهم, ولأن عدم زيادة التزامات المساهم يُعبر عن خاصية مميزة في الشركة المساهمة وهي خاصية المسؤولية المحددة في إطار قيمة السهم الذي اكتتب فيه المساهم. ذلك أن المساهم عندما يقرر الاكتتاب في رأسمال الشركة إنما يقصد أن يفي بمبلغ محدد لا يزيد رغم إرادته, ومن ثم فإنه لا يجوز أن تتخذ الجمعية العامة غير العادية قراراً بزيادة أعباء المساهم وإجباره على أن يفي بأكثر مما التزم به. ولا يجوز لتلك الجمعية أن تتخذ قرارا بإطالة مدة الشركة لأن ذلك يُعد من قبيل الزيادة في التزامات المساهم من حيث الزمان عن طريق بقاء التزاماته قائمة فترة طويلة, ولا يجوز لها كذلك اتخاذ قرار بتكوين احتياطي لم يكن منصوصاً عليه في النظام الأساسي للشركة عند تأسيسها, لأن تكوين الاحتياطي يعني اقتطاع جزء من الأرباح الناتجة عن النشاط السنوي للشركة والتي كان يجب توزيعها على المساهمين وتجميدها ضمن الاحتياطي, وهو ما يعني زيادة في المخاطر التجارية التي يتحملها المساهمون. كما يُعد من قبيل القرارات التي تتخذها تلك الجمعية، التي من شأنها زيادة أعباء المساهمين كل قرار بتشديد شروط حضور اجتماعات الجمعية العامة للمساهمين والتصويت فيها, كاشتراط حيازة عدد معين من الأسهم أو إيراد قيود أيا كانت على تداول الأسهم لم يكن منصوصاً عليها في النظام الأساسي للشركة, لأن مثل هذه القرارات بما تتضمنه من قيود على حرية المساهمين وحقوقهم تزيد من التزاماتهم, ولا يجوز أيضاً لتلك الجمعية تعديل شروط تاريخ الوفاء المنصوص عليها في النظام الأساسي للشركة, كما لا يجوز لها أن تتخذ قراراً بتغيير الغرض الأساسي للشركة أو إصدار أسهم جديدة أو بالاندماج في شركة أخرى أو بحل الشركة حلا مبتسراً وتصفيتها قبل الأوان. والحقيقة أن إيراد قيود نظامية في مشروع نظام الشركات الجديد على سلطة الأغلبية في الجمعية العامة غير العادية بخصوص تعديل نظام الشركة أمر لا يخلو من صعوبات؛ منها أن الإسراف في تقييد صلاحيات تلك الجمعية يترتب عليه التضحية بمصالح الشركة التي قد تستدعي إجراء تعديل يحظره المنظم, كما أن انعدام القيود القانونية على صلاحيات تلك الجمعية فيما يتعلق بتعديل النظام الأساسي للشركة من شأنه التضحية بمصالح الأقلية. ولهذا فإنني أرى ضرورة إيجاد نوع من التوازن بين مصلحة الشركة من ناحية, التي تقتضي في بعض الأحيان منح الأغلبية صلاحيات اتخاذ قرارات لتحقيق تلك المصلحة على الرغم من معارضة الأقلية أو حتى دون الرجوع إليها, ومصلحة الأقلية من ناحية أخرى, والتي تقتضي عدم اتخاذ أية قرارات مصيرية للشركة إلا بإجماع آراء المساهمين.
إنشرها