تطوير المدن لا يعني تغريبها

أسافر كثيرا داخل الوطن في أرجاء هذا الوطن العظيم، خاصة تلك المناطق "الجنوبية" والشمالية، والشرقية، التي يوجهون الدعوات لنا مشكورين للمشاركة في أمسياتهم وبرامجهم الثقافية أو الاجتماعية، ما يؤثر فينا إيجابا، حيث تتاح لنا فرصة رؤية الوطن بشكل أعمق وأجمل ونتعرف أيضا على الكثير من الإخوة والأخوات الأفاضل الذين تنشأ بيننا وبينهم علاقة تواصل أخوية دائمة، وهذا ما نفتخر به، بل هو الثروة الحقيقية من هذه الرحلات الإيجابية، بجانب ذلك نرى مدنا ليست كالمدن وقرى ليست كالقرى، حيث الطبيعة الخلابة والأراضي الذهبية البكر والبيئة الاجتماعية المتماسكة والموروث الجميل لهذه المنطقة أو تلك حتى الطراز المعماري المرتبط ارتباطا وثيقا بالموروث الأول لها، مع وجود بعض المباني ذات الطراز الغربي والتي للأسف الشديد احتلت كل المدن الكبرى وبعض المناطق النائية والتي للأسف تسيء للمنظر العام لهذه المنطقة وتلك مع إهمال شديد "للمناطق الأثرية" والمتاحف التي تحتوي على جزء كبير من تاريخ المنطقة. فعندما نزور هذه المناطق التاريخية نجد التراث شاكيا باكيا سوء التقدير والاحترام من أهل المنطقة أو من الجهات ذات العلاقة، فعلى الرغم من نشاط "هيئة السياحة والآثار" ببعض هذه المناطق، إلا أن البقية الأكثر تحتاج إلى جهات ذات التخصص الجيد وذي العلم التاريخي وعلماء الآثار لتطوير هذه الآثار وترميم ما تداعى منها وكتابتها برؤية علمية تحفظ لها تاريخها وبالتالي تثقف به الأجيال الحالية والقادمة، خاصة أن "وسائل الإعلام" المرئية مقصرة تقصيرا كبيرا في إلقاء الضوء على هذه الآثار والمناطق الجاذبة للسياحة الداخلية ولتعريف أبناء هذا الوطن بتاريخ المدن والمناطق النائية التي لها تاريخ عميق وثري. وليس كما هو معمول به. بعض اللقطات التي تركز على الفنون والرقصات وبعض الحرف الشعبية ليس هذا هو التاريخ وليس هذا هو الموروث، بل هناك الكثير من المشاهد الرائعة والمميزة والتاريخية التي تثري ثقافة الأجيال والوافدين والسياح من كل الجهات.
الجدير بالذكر أن هذه المناطق تحتفظ في بعض جوانبها بالنظام "الغذائي الصحي الممتاز" ولا تشاهد الكثير من المطاعم الأجنبية "الجانك فود"، وعندما تتجول مع مرافقيك الأعزاء لمشاهدة المنطقة والاستمتاع بجوها الصحي غير الملوث, وتتناول الوجبات الغذائية الصحية – يفاجئك البعض بالاعتذار عن التقصير، حيث لا يوجد لديهم "كافيهات ومطاعم غربية" مثل الموجودة لدينا في المدن الكبرى, ولكن المفاجأة عندما ترفض ذلك وتستغرب تهافتهم على هذا النوع من الخدمات "الضارة" صحيا لما لهذه المطاعم من آثار سلبية في صحة الأطفال والكبار في الوقت ذاته، وتطالبهم بالكف عن تشجيع وجود مثل هذه المطاعم لضررها. كما أننا نطالبهم دائما بالحفاظ على البيئة والموروث الخاص بهم سواء: المعماري، التعليمي، الصحي، والغذائي.. إلخ من نماذج متفردة تعطي كل منطقة تميزا عن الأخرى، تثري بذلك المتذوق والزائر من كل أنحاء العالم. وكم أتمنى أن يتم العمل وفق الحفاظ على التراث وتطويره بالتقنية المناسبة التي تساعد على "أقلمته" مع معطيات العصر الجديد، كما أتمنى عند تنقلنا من مدينة إلى أخرى أن تستقبلنا كل واحدة منها بمداخل تحمل الإرث والطراز المعماري الخاص بها مع الحفاظ على العادات والتقاليد الأصيلة الخاصة بها.
خاتمة: وما نيل المطالب بالتمني ولكن "تؤخذ" الدنيا غلابا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي