«ولا تمش في الأرض مرحا»

«ولا تمش في الأرض مرحا»

عندما تقرأ نصوص الكتاب والسنة ترى فيها قصدا إلى مقامات فاضل الأخلاق، ومن ذلك قول الله: ?ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا?، فإن فيه قصدا إلى كبح جماح بعض النفوس البشرية التي رأت في أنفسها قدرا من المقامات الموهومة أوجبت لها الترفع عن عباد الله، وترى في هذه الآية تهكما ظاهرا بمن هذه حاله، فهو وإن مشى مشية المختال المتعاظم إلا أنه كمن يسعى إلى خرق الأرض أو بلوغ الجبال طولا بتلك المشية، وفي مثل هذا تهذيب للنفس وإيقاف لها عند حدودها البشرية، وقد قيل إن المتكبر كمن هو على رأس جبل عال يرى الناس صغارا ويراه الناس صغيرا، وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: (إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس).
ففي هذا الكلام من صاحب الرسالة بيان للمسلك القصد في مراعاة حق النفس البشرية وما جبلت عليه من التجمل والتزين، وكذلك مراعاة حقوق عباد الله، وفيه إشارة إلى أن من أدق مسالك الكبر التي قد تخفى حتى على من فيه قدر من الفضل والعلم مسلك رد الحق ودفعه، الذي قد يكون في بعض صوره الظاهرة نوعا من دعوى التمسك بالدليل والنص الشرعي، وهو في الحقيقة استتباع لهوى النفس البشرية في إدراك مقام التحقيق والرياسة، قال سفيان: ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرئاسة ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب فإن نوزع الرئاسة حامى عليها وعادى.
ومثل هذه النزعات التي تعرض للنفوس هي ما قصد الشارع إلى إصلاحها، وهي التي ينبغي للمسلم التنبه لها، وفي الصحيح فيما يروي عن ربه قوله صلى الله عليه وسلم: (العز إزاري والكبرياء ردائي فمن ينازعني عذبته)، والله الهادي.

الأكثر قراءة