هل سيؤدي رفع الريال إلى تخفيض التضخم؟

a@aalhajji

قبل الخوض في غمار الموضوع لا بد من ذكر الحقائق التالية:

1 ـ "التضخم المستورد" يشتمل على شقين، شق مرتبط بأسعار الصرف، وشق يرتبط بارتفاع أسعار صادرات بلد المنشأ. عند الحديث عن رفع الريال والتضخم يجب التركيز على الشق الأول فقط، وتجاهل الثاني.

2 ـ هناك فرق بين "رفع الريال" و"تحرير الريال"، لذلك لا يمكن الاستدلال بنجاح الدول التي حررت عملاتها للترويج لـ "رفع الريال". يبدو أن الخلط بين المفهومين يعود إلى أن تحرير الريال في الوقت الحالي سيؤدي إلى رفع قيمته بالنسبة إلى الدولار.
3 ـ نتيجة لربط الريال بالدولار، فإن أي انخفاض في قيمة الدولار يؤدي إلى ارتفاع قيمة الواردات السعودية من الدول الأوروبية والآسيوية، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار داخل المملكة، وبالتالي يؤدي إلى التضخم. هذه العلاقة لا تقتصر على المملكة وإنما توجد في أغلب الدول النفطية. تشير البيانات إلى أنه كلما ازداد تنوع مصادر الدخل، انخفض تأثير انخفاض الدولار في التضخم، وكلما زاد تنوع مصادر الواردات، انخفض هذا الأثر أيضاً.
4 ـ للتضخم أسباب عديدة منها انخفاض الدولار وزيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع السيولة وانخفاض أسعار الفائدة وارتفاع الاستثمار الرأسمالي وعودة بعض الرساميل المهاجرة وزيادة الاستثمار الأجنبي وارتفاع معدلات الاستهلاك وسيطرة الاحتكارات على بعض القطاعات الاقتصادية, إضافة إلى ذلك فإن أصل الأمر يعود إلى تسعير النفط بالدولار.

5 ـ رفع الريال سيخفض وسيرفع التضخم في الوقت نفسه. إن أي ارتفاع ملحوظ في قيمة الريال سيخفض من سعر المواد المستوردة ولكنه سيزيد من القوة الشرائية للأفراد، الأمر الذي سيزيد من الاستهلاك، ويزيد الطلب العام، وبالتالي يسهم في رفع مستويات التضخم. النتيجة تعتمد على حاصل هذين العاملين.

6 ـ تغيير أسعار الصرف وحدها لا يسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي إلى مستويات مستدامة. الدول التي تتمتع بمعدلات نمو عالية قامت بالعديد من التغيرات الهيكلية في اقتصاداتها، التي كان فيها تحرير العملات أو تغيير قيمتها تحصيل حاصل.

هل سيؤدي رفع الريال إلى تخفيض التضخم؟

الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا السياق هي: هل كل التضخم الحالي في السعودية "تضخم مستورد "؟ إذا لم يكن كله، ما نسبة التضخم التي تعود إلى "التضخم المستورد"؟ وما نسبة التضخم المستورد التي تعود إلى انخفاض الدولار؟
الإجابة عن هذه الأسئلة مهمة لأنها تجيب عن السؤال الأهم: هل سيؤدي رفع قيمة الريال مقارنة بالدولار إلى تخفيض التضخم في المملكة بشكل ملحوظ كما يقول البعض؟ إن أفضل طريقة للإجابة عن هذا السؤال هو النظر إلى بينات أسعار الصرف ومعدلات التضخم لمعرفة العلاقة بينهما.

يبين الشكل البياني المرفق العلاقة بين السعر القياسي للدولار مقابل العملات الرئيسة والتضخم في السعودية. هذا الشكل يشير إلى حقائق عدة هي:

1 ـ تاريخيا، هناك علاقة عكسية قوية بين الدولار والتضخم في السعودية كما هو موضح بالنقاط ضمن الدائرة رقم (1). هذه النقاط توضح أنه كلما ارتفع الدولار (اتجه نحو الأعلى) انخفض التضخم (اتجه لليسار)، وكلما انخفض الدولار (اتجه إلى الأسفل) ارتفع التضخم (اتجه إلى اليمين). تشير التحليلات الإحصائية إلى أن العلاقة كانت قوية لدرجة أن نحو 70 في المائة من التغيرات في معدلات التضخم في السعودية تعود إلى تغير في قيمة الدولار. هذا يعني أنه حتى في حالات التأثير القوي للدولار فإن هناك 30 في المائة من معدلات التضخم تعود إلى أمور أخرى مثل ارتفاع أسعار الواردات من بلاد معينة وزيادة الإنفاق الحكومي والاستهلاك والسيولة وغيرها. وهذا يعني أيضاً أنه حتى لو تم رفع الريال إلى مستويات عالية فإن هذا لن يؤدي إلى التخلص من التضخم بالكامل.

2 ـ هذه العلاقة تغيرت جذريا منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2005 حيث ضعفت العلاقة بين الدولار والتضخم كما هو موضح في الدائرة رقم (2) في الشكل البياني لدرجة أن متوسط النقاط الحمراء يكاد يكون خطاً أفقياً. العلاقة العكسية بين الدولار والتضخم ما زالت موجودة كما في الفقرة السابقة إلا أنها خفت بشكل كبير. هذا يعني أن ارتفاع معدلات التضخم في العامين الماضيين يعود أغلبه إلى عوامل أخرى لاعلاقة لها بسعر الصرف. وتشير التحليلات الإحصائية إلا أن قدرة تغير قيمة الدولار على شرح التغيرات في معدلات التضخم في السعودية انخفضت بمقدار الثلث في العامين الماضيين.

العلاقة بين التضخم في السعودية وقيمة الدولار
العلاقة تغيرت بعد تشرين الأول (أكتوبر) 2005
بيانات شهرية منذ بداية عام 2002 حتى أيار (مايو) الماضي

المصدر: مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات (السعودية) ومجلس محافظي البنك الاحتياطي الفيدرالي (الولايات المتحدة)

ما معنى النتائج السابقة؟
رفع الريال بشكل محدود لن يخفض التضخم في السعودية لأن أغلب الزيادة في التضخم في العامين الماضين تعود إلى أسباب غير انخفاض الدولار، إلا أنه مازال لانخفاض الدولار دور في هذا التضخم، لكنه أقل من الفترات السابقة. فإذا كان الهدف تخفيض التضخم عن طريق رفع الريال فإنه يجب رفع الريال بشكل مفاجئ وكبير ليصل إلى القيمة الحقيقية للريال في الأسواق العالمية. إن أي رفع محدود لن يؤتي ثماره لأسباب عدة منها أن وضع الريال بعد الرفع ومسوغات رفعه مرة أخرى ستبقى نفسها. بعبارة أخرى, الذين ينادون برفع الريال بشكل محدود لا يختلف موقفهم عن موقف مؤسسة النقد في النهاية، وهم يحسبون أنهم ينتقدونها. لذلك فعلى المطالبين بالرفع أن يطالبوا برفع كبير، وليس برفع محدود.

إن أي رفع محدود من 3.75 ريال للدولار إلى 3.65 ريال للدولار لن يخفض التضخم في السعودية بشكل يشعر به المواطن، ولن يرفع القيمة الحقيقية لدخل الفرد بشكل ملحوظ، ولكنه سيرفع قيمة أصول كثير من الشركات والبنوك بين عشية وضحاها بسبب القيمة الضخمة لهذه الأصول. وبحسابات بسيطة نستطيع أن نستنتج أن الفئات التي يتباكى عليها البعض بحجة أنها تتأثر من انخفاض الدولار لن تستفيد من رفع الريال، بينما ستستفيد كبرى شركات التمويل والبنوك. فرفع الريال المحدود كما ذكر أعلاه سيحقق زيادة حقيقية في دخل الفرد قدرها ريال واحد في اليوم على أحسن الأحوال إذا كان راتبه الشهري في حدود ثلاثة آلاف ريال شهرياً. رفع الريال بالقدر نفسه سيرفع قيمة أصول البنوك وشركات التمويل في السعودية مقدرة بالدولار بمئات الملايين من الدولارات لحظة إصدار قرار الرفع! أما الشعب السعودي ككل فإنه سيخسر أكثر من 11 مليار دولار لحظياً بسبب انخفاض قيمة الاحتياطيات الأجنبية للسعودية مقدرة بالريال.

إن أي رفع للريال سيزيد من القيمة الحقيقية لأجور العمال الوافدين. ولكن الرفع المحدود سيزيدها بشكل زهيد. فالعامل الذي يحول ألف ريال شهريا إلى أسرته في بلده الأصلي يجد أن رفع قيمة الريال بالشكل المحدود المذكور سابقاً سيرفع قيمة ما يحوله شهرياً بنحو ثمانية دولارات فقط.

الخلاصة
ضعفت العلاقة بين الدولار والتضخم منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2005, لذلك فإن رفع الريال مقابل الدولار لن يلغي التضخم، ولن يخفضه بشكل كبير. هناك عوامل أخرى غير أسعار الصرف أسهمت في رفع معدلات التضخم في العامين الأخيرين.
إن رفع الريال لن يسهم في تخفيض التضخم بشكل ملحوظ إلا إذا كان الرفع كبيراً، بين 15 في المائة و30 في المائة. نظراً لأن هذا الرفع بهذه النسبة سيدمر بعض القطاعات الاقتصادية وسيؤثر سلبياً في قطاعات أخرى، فإنه لا يتوقع أن يتم تبني هذه السياسة. لذلك فإن التضخم سيبقى، ورفع الريال لن يحل المشكلة، ويجب البحث عن حلول أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي