الشركات المساهمة والمالية مطالبة بالتوفيق بين الأرباح والمسؤولية الاجتماعية
يتفق كثير من الحقوقيين والاقتصاديين على أن الشركات التجارية والاقتصادية والمالية الوطنية والدولية، على حد سواء، ليست بشركات خيرية وأن هاجسها الأول تحقيق أكبر عائد من الربح لمساهميها، وطالبوا بأن تقوم هذه الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية تجاه مجتمعاتها والقيام بواجباتها الاجتماعية كونها مصدر الثروة الرئيس والتحديث وتوليد فرص العمل.
ومن هنا أصبح دور مؤسسات وشركات القطاع الخاص محوريا في عملية التنمية المستدامة، وهو ما أثبتته النجاحات التي تحققها الاقتصادات المتقدمة في هذا المجال، وأدركت مؤسسات القطاع الخاص أنها غير معزولة عن المجتمع، وتنبهت إلى ضرورة توسيع نشاطاتها لتشمل ما هو أكثر من النشاطات الإنتاجية، مثل هموم المجتمع والبيئة والمساهمة في التنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي وحماية البيئة.
لم تعد تعتمد الشركات العالمية في بناء سمعتها على مراكزها المالية فقد وربحيتها فحسب، بل حدثت من مفاهيمها لتكون قادرة على الصمود في ظل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية والإدارية المتسارعة، وهو دورها الرئيس وفق مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات.
المسؤولية الاجتماعية للشركات والتنمية المستدامة للمجتمع
وحول دور الشركات المساهمة وشركات الخدمات المالية السعودي في مسؤوليتها الاجتماعية والوطنية قال الدكتور إحسان بوحليقة رئيس مجلس الإدارة لشركة وطن للاستثمار وأعمال الأوراق المالية " لكل فرد في المجتمع طبيعي اعتباري دور في أن يكون مسؤولا في مجتمعه وإلا فلن تكون هناك مطالبات في كل مجتمع واع بالتنمية المستدامة والتي تقوم على أن الجيل الحاضر يهتم بمستقبل الجيل القادم بعدم هدر موارده على تنوعها والمسؤولية الاجتماعية تختلف في بعض مجالاتها من شركة إلى أخرى حسب نوع النشاط".
وأضاف بوحليقة "شركات الخدمات المالية لا بد أن تكون مسؤولة اجتماعياً وتؤدي إلى تنمية الاقتصاد وتعتمد على الموارد البشرية المتاحة، وأن تنمي أيضا الموارد البشرية الوطنية، ولكن عليها مسؤولية اجتماعية قد لا تستطيع الشركات الأخرى تقديمها وهي تنوير المجتمع فيما يتعلق بالمؤشرات الاقتصادية والمؤشرات الاستثمارية وان تكون مهنية ومحايدة".
وأشار بقوله "لقد لاحظنا خلال السنوات الأربع الماضية مع طفرة الأسهم وحتى الآن تغييب وعدم توافر البيانات التي قد تزيد من وعي المستثمر أو المدخر في أين يستثمر أو لا يستثمر وليست النصيحة المهنية بل توافر المعلومة والشفافية حيث إن هذه المعلومات الاقتصادية والمالية متاحة من خلال مصادر مختلفة ولكنها عند قراءتها وتحليلها تحتاج إلى أشخاص متخصصين، ومن هنا فإن المسؤولية الاجتماعية الحالية لهذه الشركات في ألقاء الضوء على البيانات الاقتصادية والجوانب النقدية للاقتصادي السعودي وتوعية المجتمع بها".
وأكد بوحليقة بقوله "إنه ليس مطلوب من الشركات أن تدخل في مشاريع أقرب للاستثمارية باعتبار ذلك دورا اجتماعيا ولكن يجب عليها أن تهتم بالمجتمع المحيط بها وألا تستنفد قدراته ولا تهدر فرصه ومقدراته حتى تحقق مكاسبها، حيث يجب أن تكون مسؤولة جميعها في الحفاظ على المجتمع في جميع النواحي الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والبيئية، وإلا سنكون أمام مجموعة من الشركات الأنانية التي تبحث فقط عن تحقيق ربحها وكأن الغاية تبرر الوسيلة".
حوكمة الأعمال جزء من المسؤولية الاجتماعية
من جانبه أكد الدكتور ماجد قاروب رئيس مكتب قاروب .. محامون ومستشارون قانونيون أن المسؤولية الاجتماعية هي التزام من القطاع الخاص تجاه المجتمع في رفع مستوى الثقافة الاقتصادية والاستثمارية والحقوقية وذلك من خلال دعم الفعاليات الاقتصادية الخاصة والعامة في المجتمع، وأن يكون الاهتمام بالجمعيات الخيرية والتأهيلية والتطويرية والمتخصصة في التدريب والمنتديات العامة غير الربحية.
وقال قاروب "إن احترام القوانين وحوكمة الأعمال جزء من المسؤولية الاجتماعية، لأنه يجب على الشركات المساهمة دون غيرها، وإنه واجب والتزام قانوني بأن تؤثر ايجابيا في المجتمع دون أن تتأثر سلبيا من سلبياته، وهذا ما مفهوم الحوكمة على أن تكون هذه الشركات نموذجا إيجابيا للجميع لأنها في النهاية تستثمر بأموال المساهمين والمجتمع، وحيث إنها يجب أن تعود على المساهمين بأرباح وعلى المجتمع بأثر إيجابي عبر توظيف الشباب وبرامج التدريب والتأهيل المتواصل".
وأعتبر قاروب أن شركات الوساطة المالية من أكبر واهم محفزات ومحركات السوق في المرحلة المستقبلية بعد أن اقتصر عمل البنوك على العمل المصرفي، مشيرا إلى أن مسؤولية هذه الشركة تجاه المجتمع هي إخراج منتجات وخدمات تتفق مع احتياجات الجميع.
وقال قاروب إن القطاع الحكومي لديه الطرق الكفيلة بتحقيق ذلك عبر الأنظمة والقوانين عندما تضع الأشياء في نصابها الصحيح وتخرج المسألة من الاجتهاد وتصبح ضمن واجبات قانونية وأخلاقية ليصبح هناك عمل دائم مستثمر ولا يعتمد على إدارة شخص واحد، وهذا لا يتم إلا من خلال أنظمة وقوانين وأشخاص لديهم العلم والقدرة والكفاءة للقيام بهذه المهمة، في المقابل التزام الشركات حسب هذه القوانين والأنظمة بعيدا عن التأثيرات الإيجابية والسلبية والذي يعتمد على ميزانية واضحة تباشر بشكل تلقائي.
المسؤولية الاجتماعية ضعيفة في مجتمعنا
قال محمد العمران محلل مالي وكاتب اقتصادي إن المسؤولية الاجتماعية للشركات ضعيفة جدا لدينا، ولكن يجب أن نفرق بين الواجبات والكماليات من مسؤولية هذه الشركات المالية، حيث نجد أغلب الشركات تتجاهل تقديم خدمات أساسية لذوي الاحتياجات الخاصة في مقارها وخدماتها وتجدها تستبدلها بتبرعات أو خدمات تعد من الكماليات في المجتمع، إلى جانب أن الأنظمة في هذه الشركات لا تحتمل التعديل فيما يخص أدوارها ومسؤولياتها الاجتماعية.
وأشار العمران إلى أن بعض هذه الشركات وعلى الرغم من تحقيقها أرباحا سنوية ضخمة تقدم مساهمات وتبرعات محدودة أو قد تكون في بعض الشركات معدومة حيث لا يوجد توازن بين الأرباح العالية والمبالغ المصروفة لتغطية أدوارها ومساهماتها الاجتماعية، وترى ذلك بشكل واضح في التقارير السنوية لهذه الشركات.
واعتبر العمران المسؤولية في هذه القضية هي تضافر جهود ثلاث جهات تعد هي الرئيس في تنظيم هذه المسؤولية الاجتماعية المنوطة بالشركة وهي مجالس الإدارات والمساهمون بتعاونهم في اجتماعات الجمعية ودعم هذه البرامج وكذلك الإدارة التنفيذية للشركة، مؤكدا أن دور هذه الشركات يكمن في توزيع أدوارها ومسؤولياتها تجاه المجتمع كافة بحيث تغطي جميع مناطق المملكة وتخدم شرائح متعددة وتكون بعيدة عن التصنيف غير العادل ولا يؤخذ في الاعتبار التوازن بين جميع مناطق المملكة.
ووصف العمران أن المسؤولية الاجتماعية للشركات في الدول المتقدمة مهمة ومنظمة وتعمل في إطار مؤسساتي وملتزمة ببناء المستشفيات والمنشآت التعليمية وتطوير المجتمع، ولكن تجد لدينا في مجتمعنا جهودا جيدة تجاه المجتمع يغلب عليها الصبغة الفردية وليس المؤسساتية حيث تقدم تبرعات وبرامج سخية من أفراد ولكنها لا تقع تحت مظلة الشركات.
ويرى خبراء اقتصاديون أنه على الرغم من الدور الواسع للحكومات في دول الخليج في تعزيز التنمية والرعاية الاجتماعية فقد تواصلت فيها المساهمات التنموية والاجتماعية للأفراد والشركات، وعندما حققت هذه الدول تقدما اقتصاديا بدأ الدور الاجتماعي والتنموي لمجتمعاتها بما يساعد على جلب التنمية الشاملة لمجتمعاتها عبر إشراك القطاع الخاص في تحمل مسؤوليته تجاه المجتمع والمساهمة في بناء المساجد ودعم الجمعيات الخيرية والأنشطة الاجتماعية والتعليمة والصحية.
وتعد المسؤولية الاجتماعية للشركات ليست فقط محصورة في التبرعات للمشاريع والبرامج التنموية والخيرية، فثمة مجالات للعمل ومبادئ أخلاقية يجب أن تلتزم بها الشركات والتي تعود فيها بذلك على المجتمعات والدول بفوائد كبرى، ويجنبها كوارث وأزمات بيئية واقتصادية واجتماعية ستكون في تكاليفها ونتائجها أكبر بكثير من التكاليف المترتبة على هذه المسؤوليات والالتزامات.
ويطالب الخبراء والمخططون الاستراتيجيون في العالم المتقدم الشركات الدولية بأن تكون مجالات ومحاور هذه المسؤوليات الاجتماعية، تتم بتنظيم وإدارة الأعمال وفق مبادئ وقواعد أخلاقية، والمشاركة مع الفقراء والطبقات الوسطى (على أساس ربحي)، وحماية البيئة وتطويرها، وحماية الموارد الأساسية كالمياه والغابات والحياة البرية والتربة وتطويرها، ومكافحة الفساد وتجنبه، والتزام حقوق الإنسان والعمل والعمال، ومساعدتهم على تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية مثل الادخار والتأمين والرعاية لهم ولعائلاتهم، ومشاركتهم في الأرباح.