إذا لم أكن مخطئاً فهذه القهوة التي أغرم بها الكثيرون هي من إنتاج صديقي (إدمون حسيب)، وحين كنا في المدرسة في مدينة القامشلي في المرحلة الإعدادية، كنت أزوره في منزل أهله المتواضع، ولعله الآن يسكن في غرف من فوقها غرف مبنية، وكان جده (قوج حصر لي) مجبر عظام (عربي) وتعلمت منه صناعة قص ألواح خشب (الكونتبلاك) الرقيق وصناعة برج إيفيل الفرنسي، وكان أعظمها ما أهديته إلى إدارة المستشفى، وقوج حصر لي قد يكون اسما تركيا، وقد يكون سريانيا فالعائلة كانت مسيحية، وفي القامشلي من طوائف النصارى من كل صنف بما فيها الفرق المنقرضة، مثل الكلدان وهم النسطوريون، الذين لا يقولون بألوهية المسيح. وفي طفولتنا كان لنا أصدقاء من الأرمن مثل (جيجي وأخوه هابو) والآشوريين والدروز (مثل صديقي رافع أبو الحسن) والعلويين (مثل صديقي جودت) وكان من أحبهم لقلبي وعائلته، بل وحتى اليزيديين من عبدة الشيطان، ولم نكن نستشعر بتلك الفروق.
ووالد إدموند صديقي كان بارعا في صناعة القهوة تحميصا وطحنا، ولم يكن يعمل سوى في القهوة، وكانت رائحة المحل دوما بقهوة رائعة، وكنت أزوره في المحل، وكان دؤوبا على العمل مع والده مما أثر في دراسته، وفي الوقت الذي تفوقت أنا وتابعت ودخلت الطب، اختفى الشاب إدمون من خريطة الذكرى، حتى رأيت اسم القهوة؛ فخطر في بالي أن يكون هو الصديق القديم نفسه من أيام القامشلي، ولكنه هذه المرة لمع اسمه في العالمين، ويصدر قهوته لكل العالم، بفضل الدعاية المنظمة والإنترنت وما شابه، وما أرجوه أن يحافظ على الجودة والنوعية نفسيهما من الإنتاج، لأن العادة جرت أن البضاعة التي تأخذ اسما في العالم العربي تبدأ في اعتماد الكسب مقابل هبوط الخدمة والجودة.
وهو المرض الذي ضرب منتوجات شركة إيكيا السويدية، فبعد نوعيات ممتازة وخشب ثقيل، وأسعار معقولة، تردت النوعية، ونحفت ألواح الخشب، وساءت وتحولت إلى نوع من نشارة الخشب المضغوطة، وارتفعت الأسعار، ولا يوجد حاليا من بقايا تلك البضاعة الرائعة، التي تعرفت عليها قبل 20 سنة، إلا الأثر الضئيل، ومازلت محافظا على طاولة الطعام التي اشتريتها منهم بعد مرور 25 سنة وهي في أفضل حال، واشتريتها يوم ذاك بمبلغ بسيط في حدود 300 مارك ألماني، وحاليا لم يعد من أثر لهذه الطاولات.
وهو المرض نفسه الذي ضرب قهوة تستر شويس ونسكافه، فبعد أن كنت أشتري تلك العلب الزجاجية الفاخرة من كندا من سوبر ماركت كوسكو، انخفضت الكمية وحشيت في علب بلاستيك سيئة وارتفع السعر..
وقصص الغش لا تنتهي، و(عرق سوس رمزي) الذي يباع في السوق، اشتريت قبل فترة علبة منه، وهو في العادة يعمل السائل حلو المذاق مكثف اللون أسود، فخرج باهتا في طعمه مخففا جدا، فعرفت أن الغش أخذ طريقه إليه.
وكذلك الحال مع قهوة حسيب التي بدأت الأقوال تروج عن تراجع النوعية..
والسؤال المحوري هو أن جشع الربح قد يقتل كل ربح ويفقد كل ثقة.