العائلات الأمريكية العريقة المالكة لدور النشر على حافة الاندثـار

العائلات الأمريكية العريقة المالكة لدور النشر على حافة الاندثـار

بانكروفتس هي إحدى العائلات الأمريكية العريقة، ولا يوجد شيء تفتخر به مثل افتخارها بامتلاكها دار داو جونز للنشر التي تصدر صحيفة "وول ستريت جورنال" الاقتصادية الشهيرة. وبقدر ما تعشق هذه العائلة صيت دار النشر التي تصدر الصحيفة بقدر ما تكره تطورات أسهم الدار في البورصة. فمنذ أعوام وسعر سهم داو جونز في تراجع، وإرث العائلة يبدو في الاندثار. وكم هو مغرٍ، العرض الذي قدمه روبرت ميردوخ وشركته نيوزكورب للدعاية والإعلام حيث يريد ميردوخ أن يدفع لدار النشر داو جونز خمسة مليارات دولار أي زيادة مشبعة بنسبة 65 في المائة على قيمة الشركة في البورصة. هذا العرض الفريد من نوعه رسم نقطة الذروة لأسبوع مليء بالأحداث الكبيرة في قطاع وسائل الإعلام حيث قيل إن شركة رويترز البريطانية للإعلام قد قدمت هي الأخرى عرضا للاستحواذ ولكن من غير المعروف الشخص الذي نقل العرض،و رويترز مثل داو جونز شركة عريقة تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر. كما تقول شائعات إن الشركة الكندية المنافسة تومسون فاينانشال قد تكون أحد الراغبين المحتملين في الشراء.
على صعيد داو جونز يعرف الجميع أن فكرة التنازل عن دار النشر لعملاق وسائل الإعلام ميردوخ، هي فكرة غير مستساغة بالنسبة للعائلة بانكروفتس. ولكن من جانب آخر: العائلة تعلم تماما أنها من المحتمل ألا تحصل على هذا الكم الكبير من المال مقابل شركتها. في بادئ الأمر رفضت العائلة بانكروفتس عرض ميردوخ، ولكن الكلمة الأخيرة لم تُصدر بعد، فما يبدو هو أن جميع أفراد العائلة غير متفقين. وبذلك تدخل الفكرة الطويلة وغير المتصورة لبيع دار النشر على الأقل، في دائرة الممكن.
تطلّع ميردوخ تجاه داو جونز يعد مثالا يحمل دلائل على وقوع تحول مفاجئ بالغ في القطاع: جميع الأسر الأمريكية العريقة المالكة لدور نشر أخذت تتمايل. كما أن العديد من العائلات العريقة الأخرى في قطاع النشر قد انسحبت من القطاع أو أنها تواجه ضغوطات كبيرة في الصمود أمام الأسواق الرأسمالية. في الوقت نفسه بدأت الأحوال الاقتصادية تسوء: فأمام موجة الإنترنت العارمة أخذت الصحف تفقد قراء وزبائن للإعلانات المبوبة. ولغاية هذه اللحظة لم تستطع الصحف أن تجد جوابا، ومحاولات الظهور في الإنترنت لا تعادل الخسائر التي تتكبدها.
وكما هو الواقع في دار النشر داو جونز والصحيفة المالية وول ستريت يتم منذ قرون عديدة، إدارة الأعمال في دور نشر أمريكية أخرى عريقة في القطاع من قبل عائلات مالكة. فكما تدير العائلة بانكروفتس دار النشر داو جونز، تمتلك العائلة أوكس - سولزبيرجر شركة نيويورك تايمز (New York Times Co.) التي تصدر جريدة "نيويورك تايمز" وبوسطن جلوب Boston Globe، وكذلك العائلة جراهام التي تحدد أعمال شركة واشنطن بوست Washington Post والتي تصدر صحيفة "واشنطن بوست" ومجلة "نيوزويك" News Week. وتسيطر العائلة بانكروفتس على داو جونس منذ عام 1902، حيث اشترى في ذلك الوقت كلارينس بارون، أحد أجداد عائلة بانكروفتس الحالية، الشركة التي كان قد أسسها من قبل تشارلس داو وإدوارد جونس. وأما شركة نيويورك تايمز فقد اشتراها أدولف أوكس، ابن مهاجر ألماني من مدينة فورت في مقاطعة فرانكن جنوب ألمانيا، في عام 1896.
وتلعب العائلات المالكة أدوارا مختلفة تماما: العائلة بانكروفتس مبتعدة تماما عن إدارة أعمال دار النشر. فمن أعضاء العائلة الذين ينتمون إلى دائرة المالكين والذين يبلغ عددهم تقريبا 36 شخصا، لا يوجد أحد في الإدارة. فقط في مجلس الإدارة وهيئة مراقبة الشركة يوجد أربعة ممثلين عن العائلة. وخلاف ذلك، يزاول أعضاء العائلة مهنا مختلفة، مثل مصرفيين مستثمرين، وكتاب وطيارين - حتى إنه يوجد في العائلة متسابقة خيل. في المقابل يشغل الشاب ارثور سولزبيرجر، أحد أحفاد أدولف أوكس، منصب رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة "نيويورك تايمز".
وعلى مر السنين قامت العديد من العائلات بإدراج دور النشر الخاصة بهم في البورصة، ولكن بدون أن تفقد بذلك السيطرة. ولأجل تحقيق ذلك قامت العائلات بعمل فئتين من الأسهم: أسهم تتمتع بحق تصويت مطلق وأسهم بحق تصويت منحصر جدا. وبهذه الخطوة استطاعت العائلات أن تدرج أغلبية رأس المال في البورصة، ولكنها في الوقت نفسه استطاعت أن تحتفظ بالأغلبية العظمى من الأصوات. وهدف العائلات المالكة من وراء ذلك كان حماية الشركات من صفقات استحواذ غير مرغوبة. والجدير بالذكر أن بعض الشركات من قطاعات أخرى مثل شركة الإنترنت "جوجل" تمتلك مثل هذه التشكيلة البنيوية للأسهم من الفئتين.
وبسبب شروط التملك هذه تتعرض شركة نيويورك تايمز في الآونة الأخيرة إلى انتقاد شديد. حيث يطالب منذ وقت طويل، أحد مديري الحقائب المالية في بنك الاستثمار مورجان ستانلي، بإلغاء تشكيلة الأسهم ذات الفئتين هذه ويتهم في الوقت نفسه، إدارة الشركة بإهمال بالغ. وفي أثناء اجتماع المساهمين العمومي قبل أسبوعين حدثت المواجهة الأولى لحسم القضية، عندما عارض 42 في المائة من المساهمين المستقلين إعادة انتخاب مجالس الإدارة. صحيح أنه لا يترتب عن هذه المعارضة عواقب عملية مباشرة، ولكنها كانت بمثابة درس مؤلم للشركة ومالكيهـا.
وأما العائلة أوكس - سولزبيرجر فهي ترى بأنها راعية أمينة لإرثها وترفض كل شكل من أشكال التغيير في الهيكلة البنيوية للمالكين. من جانب آخر استسلمت بعض العائلات المالكة لدور نشر للعروض الخارجية. وأحد الأمثلة المشهورة لذلك هي عائلة تشاندلر والتي كانت تمتلك لسنوات طويلة صحيفة "لوس أنجيلوس تايمز" Los Angeles Times. ففي عام 2000 باعت العائلة تشاندلر شركتها تايمز ميرور بما فيها الصحيفة "لوس أنجيلوس تايمز" لدار النشر تريبيون Tribune من ولاية شيكاغو. وبعد ذلك احتفظت العائلة في بادئ الأمر بحصة 20 في المائة من شركة تريبيون، ولكن هذا لن يدوم طويلا. فبعد أن تم إقرار بيع تريبون قبل أسبوعين لعملاق العقارات الأمريكي سامويل زيل، ستكون بذلك تشاندلر قد ودعت قطاع الصحف بالكامل. وأيضا في ألمانيا يوجد ناشرون يرغبون في الانسحاب: العديد من العائلات المالكة لدار النشر زود دويتشه Suddeutsche والتي تصدر الصحيفة اليومية "زود دويتشه تسايتونج" يريدون بيع أسهمهم.
والآن أصبحت أيضا داو جونز من دور النشر المهزوزة. صحيح أن الشركة قد أعلنت أن من بين أعضاء العائلة من الذين يمتلكون 52 في المائة من حقوق التصويت من يعارضون عرض الشراء الذي قدمه ميردوخ، ولكن هذا يعني أيضا أن هناك بعض الأعضاء يؤيدون العرض. إذا فمن الظاهر أن الجبهة بدأت تتهاوى. ويزعم أن أعضاء العائلة المؤيدين للبيع هم بالدرجة الأولى هم من أفراد العائلة الشباب. علاوة على ذلك، تصريح الشركة لا يعني أن العائلة تستبعد تماما فكرة البيع إذا جاءها عرض أفضل أو أعلى.
وإذا أتمت العائلة بانكروفتس صفقة البيع مع ميردوخ، فستنتقل داو جونس من ملكية سلالة عائلية إلى سلالة عائلية أخرى. فالمستثمر ميردوخ سوف يمتلك مع عائلته 30 في المائة من الأصوات - وهذا لا يكفي للسيطرة التامة. لكن وبالرغم من ذلك عقد ميردوخ مقارنة مع بانكروفتس وقدم عرضا للاستحواذ: وحتى نحن نعد شركة عائلية.

الأكثر قراءة