الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الأحد, 14 ديسمبر 2025 | 23 جُمَادَى الثَّانِيَة 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين8.5
(-0.58%) -0.05
مجموعة تداول السعودية القابضة153.7
(-3.88%) -6.20
الشركة التعاونية للتأمين121.9
(-0.89%) -1.10
شركة الخدمات التجارية العربية126.8
(-0.39%) -0.50
شركة دراية المالية5.35
(0.19%) 0.01
شركة اليمامة للحديد والصلب32.2
(-4.73%) -1.60
البنك العربي الوطني21.8
(-3.54%) -0.80
شركة موبي الصناعية11.3
(3.67%) 0.40
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة30.82
(-5.75%) -1.88
شركة إتحاد مصانع الأسلاك20.91
(-3.46%) -0.75
بنك البلاد25
(-3.47%) -0.90
شركة أملاك العالمية للتمويل11.29
(-0.27%) -0.03
شركة المنجم للأغذية53.15
(-1.21%) -0.65
صندوق البلاد للأسهم الصينية11.86
(1.37%) 0.16
الشركة السعودية للصناعات الأساسية54
(-1.19%) -0.65
شركة سابك للمغذيات الزراعية115
(-0.95%) -1.10
شركة الحمادي القابضة28.46
(-1.11%) -0.32
شركة الوطنية للتأمين13.3
(1.92%) 0.25
أرامكو السعودية23.89
(-0.04%) -0.01
شركة الأميانت العربية السعودية16.65
(-2.80%) -0.48
البنك الأهلي السعودي37.58
(-1.78%) -0.68
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات29.34
(-1.41%) -0.42

[email protected]

غيمة ماياكوفسكي التي أودعها داخل بنطلونه، واحدة من تمثلات "المعنى" الذي يقال عنه إنه مخبأ في قلب الشاعر، وذلك قبل أن ينتحر، على إيقاع صرخته المدوّية "دوماً وإلى الأبد، لا أريد أن أشرب غير سمٍ واحد، هو سم الشعر". كأنه أراد بتلك التورية المركبّة للذات والمعنى أن يترك للقارئ فسحة هائلة من الفراغ الموحش ليتأول ما يسميه صلاح ستيتية "نور المعنى" أي الانفعال الغامض الذي أودى به، أو اضطره للسقوط إلى الهاوية، والسير بلا انتهاء في الدرب الموصل إلى الكنز الشعري.

المعنى إذاً هو مكمن الوظيفة السحرية للشعر كما تتمثل - بتصور جان كوكتو - في رواية الأشياء الغامضة بدقة ووضوح، ثم إعادة روايتها بشكل مقلوب أي بشيء من المجازية الفارطة، فالأزهار الجميلة المتنوعة التي يزرعها الفنان في العمل الفني ليست هي تلك الموجودة في الطبيعة، حسب مارسيل بروست، مهما تطابق التوصيف اللفظي بينهما، ومهما كانت أحوال شبه المتقاربة بين المصّور من الالتقاطات الحياتية ومقابلها المتصوّر، إنما هي أصناف جديدة مصنّعة بمخيال وذائقة المبدع يبتكرها ويستزرعها في النص، للتأكيد على معناه الشعري الخاص مقابل المعنى المشاع أو العام.

وربما يفسر هذا المروق على سطوة الواقع بفتنة المجاز يأس رامبو من الشعر بعد أن تفنن في إنتاج فائض معناه، حيث افتض المفردة، وفجّر اللغة، وشوّش الحواس، وعندما عجز عن اختراق المادة للتماس معها بمعنى استثنائي تنازل عن الشعر، ممتهناً النخاسة، وعندها أطلق عبارته الشهيرة "لم أعد شاعراً لأنني لم أعد مجنوناً" فهل الشعر، بما هو معنى يرتدي لفظاً، بتعبير الجرجاني، يشبه الحب، ويعني فيما يعنيه، التنازل عن العقل كما عاشه وكتبه أراغون!؟ أظنه كذلك فالهوس بإنتاج النص القيامي، هو الذي شجع السرياليون على التمادي في التفتيش عنه فيما فوق وتحت الوعي، وهو الذي حرض الصوفيين على الشطح بالخيال بحثاً عنه فيما وراء الوعي.

الوجود سحري بطبعه، وعليه فإن الشعر لا يوجد في الكلمات وحسب، فمعانيه مختزنة في كل مكونات الحياة، إذ يحكى عن فيدياس أنه كان يحفر بإزميله في كتلة صخرية لا شكل ولا معنى لها، وهو أمر استفز أحد المارة فصار يسأله كل يوم عن الجدوى من كثرة الطرق على ما لا هيئة له، حتى غاب لمدة وعاد ليرى أن تلك الكتلة الصماء قد صارت تمثالاً لفارس يمتطي جواداً، وحينها سأله باندهاش: ما أدراك أن داخل هذا الجبل يسكن فارساً!؟ وكان يعني "المعنى" كما تمثل في التعبير الواعي والحسي عن الفكرة، تماماً كما كانت عمياء سهام العبودي في قصتها "خيط ضوء يستدق .. أو جريد ..؟" تحوّر ما استطال من الجدائل، تعقِصُها دوائر ملولبة متحاضنة لتنتج سفرة أنيقة من الجريد، وببصيرتها لا ببصرها تهتدي للطريق السحري نحو الدوائر، على عكس من ينحت كتلة خشبية كيفما اتفق ليحصل دون رغبة منه على صورة بقرة، كما أنكر ذلك العبث ستيفان دودالوس، وانتقص من فنية الصدفة في العمل فني.

هذا هو "المعنى" الشعري الذي ينتجه المبدع تحت وطأة عذابات وأشواق ولهفات، فالشعر هو المعادل للخطر بتصور خواروث، يعاضده في هذا التصور ريلكه إذ لا يتوقع المعاني الجليلة إلا من ذات مرضوضة بالانفعالات الحادة، ذهبت إلى حافة الخطر وعادت لتسرده، أو من ذات مهجوسة بخلخلة على ما يسميه نيتشه "عفن اليقين" حيث يشبّه بعض الشعراء المسكونين بفكرة الشاعر الفوق-بشري كتابة القصيدة بالإقامة في مسافة قصيرة بين القبر والحياة، كما يماثلها البعض بجلسات العذاب الإغريقية، فهؤلاء الشعراء الذين يقبضون على المعنى الحسي للوجود بمقدورهم، حسب رسول حمزاتوف، إحالة البحر من مجرد خزان للمياه، إلى زرقة مؤّلبة.

المعنى إذاً، قد يختزن في محاولة المبدع لاستدامة الأحاسيس الدافئة، كما حاول رودان تخليدها في تمثاله الشهير "القبلة" وكأنه يجسد عبارة أراغون الخاطفة "لا تعتمدي عليّ إن شئت أن ينتهي العناق". ويمكن أن يندس في ابتسامة الموناليزا، أو في فزع صرخة مونخ الشهيرة، أو في نظرات الخوف للكائنات المذعورة في لوحة "إعدام" لغويا، أو في النحول المثير للشفقة والحيرة في تماثيل جياكوميتي التي يوصينا بتأملها من الأسفل إلى الأعلى، أو في ضربات الفرشاة التي جسد بها فان جوخ تمايلات العشب في الريف الفرنسي، فأغرى كيرواساوا للدخول بين فجواته بعدسته في فيلمه الشهير "أحلام كيروساووا" لينتج معنى جديداً، يقوم على تحريك الصورة الصلبة وتحويلها إلى مشهدية حلمية سائلة.

الثلج لا يأتي من النافذة دائما، كما يعتقد حنا مينه حين يعنون روايته بخطفة شعرية، لأن الثلج المتهيّل في الواقع يجد له مكاناً في النص، فهو المعادل للمعنى في عبارته الحزينة. ولأنه المعادل لصقيع العواطف واللقاءات غالباً ما يتكدس في عيون الحبيب، وعندها تصح عبارة دوشازال المباغتة "النظرة الباردة وداع أبدي". أجل فالعيون التي لا تخبئ وراءها سراً، لا تنبئ عن كائن جدير بالانفعال، عيون المرأة تحديداً، مهما لوحت بمفاتن طابقها السفلي، وبالتالي فهي غير جديرة لأن يعانقها ذلك القابل لكل المعاني، أعني الشعر.

www.m-alabbas.com

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية