(إيـِّاك وما يُعْتذرُ مِنْهُ)

تباعد المسافات جغرافياً حتى عبر المحيطات والأجواء والفضاء لا يقلل من تأثير الوصل المعرفي والاتصال العلمي لتوسيع دوائر الطموحات وتفعيل قوى المدارك تحت تأثير توارد خواطر مستحدثات الاتصال الفضائي على مدار الساعة حول العالم والإنترنت السريع النقل والقليل الكلفة للحديث بمتعة وإيضاح "المخبَّى" وشرح "المغمَّض" وإزالة "تعتيم" الأفكار الملتوية: إيضاحاً للحقائق وإبرازاً لمواقف علمية ومعرفية واستمرارا لنقاش هادف مُستنير. لقد سعدت بتلقي العديد من الأفكار والاقتراحات والآراء عبر اتصالات الإنترنت نقلاً لمن ينتقد وجهة أفضلية تخفيف كثرة "النق" على استمرار دولرة الريال والأضرار الجانبية على أصحاب الدخول المحدودة رأيهم أن العدالة تفرض تقويضها إهمال التعاطيات المعيشية أضرارها أكبر لتًرويض كلما يقلل من إنتاجية الاقتصاد الوطني ويحتوي الكلفة ويشغـِّل المسؤولين المعنيين لإدارته، والابتعاد عن حالات "البهللة"وإغفال ضعف المستويات الدونية للأجهزة الإدارية الخدمية الرسمية. معلـِّقو الإنترنت يرون غرابة استمرار دولرة الريال بعملة عالمية تتعرض لضغوط "متراشقة" والاحتياطات الداعمة للريال متزايدة بما يمكًن توفير التوازن الاحتياطي بعملات مضاعفة لاقتصاديات صناعية قوية مقايضة لدخول الهبة الربانية بالدولار ثقل موقف المعارض الفكرية لدولرة الريال تحجب الرؤية عن البحث في الحلول الأخرى. ربما مصاعب التعاطي مع الحلول الأخرى لا توفر الاستعداد لنقاش لحلول فاعلية لمشكلة كلفة المعيشة والدخول الإنتاجية والازدهار .. إلخ. شواهد التعليقات توضح أن أي عبء إضافي ناتج من ربط الريال بالدولار الأمريكي يعتبر إضافة للإرهاق المعيشي لا يمكن السكوت عليه لكونه زيادة في معاناة الجهة المستهلكة المحدودة الدخل ولا تبرره عدالة ارتفاع وزيادة الدخل الريالي للجهة الرسمية نتيجة للتباين بين زيادة تكاليف المعيشة وتوجه نقدي يتعارض مع أساسيات التكافل الاجتماعي. المعلقون عبر الإنترنت لا يناقشون مقدار المعاناة غير المحسوبة في ظل متاعبهم. أغلب الملاحظات الواردة تعيب الربط بين "وزن الريشة" للعملة العالمية و"ثقل الفيل" لتعطيل المعاملات وضعف التركيبة الإدارية الحكومية للنهوض بمسؤولياتها المتجهة في ظل الازدهار الاقتصادي والمتطلبات الاجتماعية وانشغال المسؤولين الكبار في إنجاز مسؤولياتهم ضمن تعليمات مالية وقيود نظامية لا تتماشى مع مسؤوليات تشييد المشاريع وإدارة الجامعات وتشغيل المستشفيات، حتى أداء المسؤوليات الخدمية "المخصصة" دون المستويات الراقية والتسعيرات المرتفعة مما يتطلب تقوية الجهات الإشرافية الرسمية ليكون الحكم على نتائجها بجانب مظهريات "الإخراج".
التعليقات عبر الإنترنت لا تتضمن اختلافا في وجهات النظر، بقدر اختلافات في "المواقف". الأول يفتح الأبواب للبحث في المشاكل وأسبابها والطرق والوسائل لمتابعتها علمياً وعملياً ومعرفياً من أصحاب الخبرة والمران من واضعي النظم والقوانين لتمكين مراكزهم تحقيق المطلوب تقديمه بغض النظر عن مستويات الوصول للهدف. النقاش المبني على البحث الإداري السليم واستقصاء الحقائق لا يتقـيَّد بالأبيض والأسود بقدر ما يحكمه التوجه الصحيح للهدف المزاحم والسير التزاحمي السليم لتحقيقه.
المواقف لمبررات التأثيرات الثابتة لدولرة الريال متفاوتة لغياب الإحصائيات والمعلومات الرسمية من الجهات المعنية، لسنوات طويلة. الفكر الاقتصادي المحلي واقع تحت فرضيات "مُستنتجة" وفقاً لراحتنا وقناعاتنا للأضرار المتوارثة من جهة ومعلومات لمصادر خارجية تهتم بمشكلة الدولرة لاحتياطيات دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة والمملكة بصفة خاصة. الغرب الصناعي يرى في المشكلة الدولارية الخليجية مكاسب متعدِّدة. العواصف القادمة مستقبلاً عليهم ليست مبرراً في الانزعاج الآني لتزايد الاحتياطات الدولارية الخليجية مقارنة بعملات الدول الصناعية الأخرى والهدوء محلياً وزيادة أرصدتها اللافتة لطبيعة المتابعة الدولارية دولياً.
تباين الأداء الاقتصادي العالمي يترتب عليه متغيرات معلنة على مدار الساعة ومتابعة من أصحاب المصالح والمتضررين. اقتصادنا لا يختلف عن الغير, حتى لو اعتقدنا أننا في كل شيء غير. التفاوت المقارن للدولار الأمريكي بالعملة الصينية والصراع الدائر بين مسؤولي الدولتين لمواجهة العجز التجاري والنقدي الأمريكي مع الصين يعطي القناعة للمسؤولين الأمريكان أن ضعف الدولار الأمريكي متعمـَّد وربط العملة الصينية بمعدل مرتفع يستهدف زيادة الصادرات الصينية بتكاليف منخفضة، تتطلب تصحيح الأوضاع النقدية وفقاً للاتفاقات الدولية وأهمها (وتو) اتفاقات التجارة العالمية. العجز التجاري الأمريكي مع الصين العام الماضي تخطى 230 بليون دولار أمريكي، بما لا يقل عن ثلثي إجمالي العجز التجاري، ويفسر انتشار البضائع الاستهلاكية الصينية في الأسواق الأمريكية. الأسعار المخفضة رفعت الطلب على استهلاك البضائع الصينية إلى ما لا يقل عن ثلاثة أرباع الاستهلاك المحلي الأمريكي، الأمر الذي يواجه المشرِّع النقدي والمالي الأمريكي في اتجاه هذه المعضلة لا يحسد عليه لضغوط الكونجرس السياسية ولصعوبة التدخل السيادي خاصة أمام استثمار الصين الفوائض الدولارية في سندات الخزانة الأمريكية التي يصعب مواجهتها دون إضرار الاقتصادين الأمريكي والصيني .
التقارب الفلسفي النقدي للمواقف بين المملكة والصين من منظور دولرة العملة المحلية لا يتعدى الربط لكل من العملتين بما يخدم التبادلات التجارية من سنين مضت "لمواقف" دون مراجعات وتفاوض وتناقش. الثبات مع المتغيرات يترتب عليه تفاوت في ترتيب أولويات المصالح ومواجهة الأضرار للداخل والخارج. الصين أضرارها النقدية على الخارج والمملكة على الداخل. الاقتصاد الوطني للجانبين يوفر مجالات واسعة للتحسين الاقتصادي الاجتماعي لمعيشة الأفراد وازدهار الاقتصاد والتوجه في طريق الإسراع لمعالجة ومواجهة الأضرار المحتملة من الانحراف النقدي القائم. الصين تحتاج إلى استثمارات كبيرة لتقوية وتطوير البنية التحتية والفوقية لما يقل عن 75 في المائة من التعداد السكاني المحلي الذي يزيد عن بليون وربع نسمة. البرامج التنموية الاجتماعية للصين توفر أنجع الطرق والأساليب لتدوير الفوائض الدولارية وتصحيح التوازن التجاري الأمريكي وربما لتصبح مكانة عملتها دولياً خارج المنطقة الآسيوية عملة التجارة الدولية. وضع الدولار الأمريكي مزعج لجميع الفرقاء التجاريين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، المشكلة الدولارية ليست جديدة ولا حدثاً مبتكراً .أبرزها الاقتصاديات النامية بعد الحرب العالمية الثانية مع الين الياباني في الثمانينيات والفرنك السويسري في السبعينيات. الدولار الأمريكي ليس مشكلة الولايات المتحدة الأمريكية بقدر ما هو مشكلة جميع الاقتصاديات المتاجرة فيه. المسؤولية النقدية للتوافق تقع على الاقتصاد الوطني المتعامل بالدولار الأمريكي. مراجعة الأوضاع مع تقلبات الأسواق العالمية. ثبات العملة المحلية وسيلة للوصول لهدف يخدم المصلحة العامة المتغيرة مع الظروف والأزمان : مفهومها يحتاج إلى إيضاح وثقافة. تعدد التفاسير يخلط حابل المواقف مع نابل الرأي السديد. نتيجة لذلك حرية الفكر "تتبهوق" وتبعث الخوف على المنطق "والبرجلة" لاحتمالات التسيب .
الفكر الاقتصادي الكلاسيكي الذي نحن عليه ونظرياته منذ قرون مضت و"غربلته الفكرية الغربية" لا تنطبق عادة مع معطيات "تلزيمية تسليم المفتاح". الأحداث والمتغيرات والتزاحمات تفرض قطع الشك باليقين الاقتصادي وفقاً لما تمليه المصلحة العامة والأهداف الموضوعة والسياسة المرسومة لبرامج معروفة في التنمية الاقتصادية الاجتماعية وخلافها. إذا هنالك اعوجاج في سعر الأراضي على الرغم من كثرتها أو نقص السلع والبضائع لمحدودي الدخل على الرغم من وفرتها أو تفاوت الدخول والاحتياجات، مخرج الاعوجاج في معظم الأحوال لا نجده في اجترار النظريات واختزال الأفكار الاقتصادية الاجتماعية. المسببات قد تكون متداخلة مع التغيرات الكبيرة في الاقتصاد الوطني على مرور السنين وانتشار الازدهار والطموحات وكبر المشروعات والتشييدات وبقاء الهيكليات الإدارية دون تطوير أو تعديل يتماشى مع المتطلبات والمستجدات، ناهيك عن حتمية تقدمها عن الاحتياجات. كبار المسؤولين عن التنفيذ يقدمون خير نتائجهم وعملهم وفقاً للنظم القائمة ومحدودية الاعتمادات وتحجيم الصلاحيات، ليس حصراً بل استرشادا: كثير من الجامعات السعودية مسؤولة عن ما لا يقل عن خمسين ألف منتسب لإعدادهم لسوق العمل دون أن تتوافر لمجالسها الإدارية "استقلالية" مقارنة ومقننة لإدارة مسؤولياتها مثل عمل صناعي تجاري يحقق ربحا ماليا. مدير المشروع التجاري يعمل بحرية مقيدة وصلاحيات واضحة ونتائج مقررة ومرجعية تحاسبه على نتائج أعماله ومراقبة شفافة من الأسواق .. إلخ. مدير الجامعة السعودية لا يستطيع أن يعتمد صرف مبلغ خمسمائة ريال خارجة عن الموازنة وتفرضها عرضية الطوارئ لإصلاح جهاز فني دون الرجوع لجهات اختصاص لا يستبعد أن لا توافق على طلبه. الوقت الذي يقضيه الباحث السعودي في العلوم التقنية والإبداع ربما نصفه يضيع في تفاهات الروتين التي تفوق قدرات المدير وقاتلة لحماس المشرف ومحبطة لطموحات الباحث. أمراض تدوير التخلف الإداري تنخر عملاً وفكراً في خطواتنا. استمرار متابعتها ليس من طباعنا. تعديلها في مقدورنا بقدر عزيمتنا لتصحيحها !
الأضرار المالية على الاقتصاد الوطني غير منظورة وليست محسوبة، لأن "مواقفنا" محسومة لقفل باب النقاش المعرفي الهادف. البحث فيها يشغل النفس في البكاء والوعيل عن تقصير الآخرين. المعاذير نجدها في ارتفاع تكاليف المعيشة. بحث انخفاض الرواتب والأجور لا يفي بمواجهة الاحتياجات: زيادتها غير واردة دون زيادة الإنتاجية بنفس الأعداد التي تساعد على توزيع المكاسب بين العاملين وأصحاب العمل. المشكلة الإدارية ليس عليها جدال، لكن النتائج الحسنة غير واضحة وآثارها غير مؤثرة. "العِلـَّة" لا بد أنها فينا وليس في غيرنا أو حولنا. إننا نكثر من الشكوى حولها ونضيع الوقت في الجدال إذا هي مشكلة مستعصية في العالم أو تخصنا وحدنا.
الواضح أن الشكوى تتركز في نقص الدخول مقارنة بتكاليف المعيشة دون أي اعتبار لتكاليف التشغيل والوضع التزاحمي الطبيعي للاقتصاد الوطني. تشتُت الصفات المميزة بين كوادر المسؤولين التنفيذيين السعوديين عن الطبيعة التي توفر التعامل الأحسن اقتصاديا واجتماعيا يدفع تزايد الاهتمام بالمشاريع العملاقة الضخمة المتعلقة بصناعة البترول والغاز والعقار والمدن الصناعية والمالية .. إلخ لدرجة إغفال الاستثمارات المحققة مجالات العمل للشبيبة وتحسين الدخول.
الاهتمام بمشاريع التشغيل المتكافئ لتقوية الاقتصاد الوطني يضيع في "زفة" مشاريع تدوير الأموال ويتناسى التوظيف لفقدان الكفاءات ومحدودية الطلب. إنجاز الاتفاقيات الرسمية الدولية يتطلب كفاءات مهنية عالية وخبرات وفيرة وتوظيفا واسعا. الهدف من تطبيق فكر الاتفاقيات ومصلحة الاقتصاد الوطني نجده في توفير المعرفيات والتقانة للكفاءات المشابهة والانفتاح الإداري الداعم للمسيرة التنموية المدعوم بالصلاحيات والمسؤوليات. إذا غيرنا ناجح في برامجه التنموية فما المبرر "للخلف" والتخلف. استمرار الأمور إدارياً قد يساعد على إنفاذ الأولى والفشل في الثانية وتبقى يا أبو زيد كأنك ما غزيت.
التحدي الإداري المصيري على تكرار الوقوع في" المشكلة" على مستوى الاقتصاد الوطني الأهلي والخاص والرسمي. والأكثر في تعقيدها خلط "خصوصة المواقف" بالنقاش العلمي المفتوح لإيضاح الحقيقة. الاهتمام بمعرفة الأبعاد والمسببات من إخصائيين مستقلين يوفر رؤى لمناقشة أهداف تجعل التنافسية والميزة النسبية حقيقة محور لطموحات فكرنا بدلاً من "البهللة"، التي نحن عليها لتبرير منجزات مكلفة يدعمها الدخل الريعي أكثر من الإنتاجية المقارنة وتصب معظم عوائدها ومكاسبها خارج المسارات المحلية. مواقفنا الفكرية ثوابت لمعارف اقتصادية وطنية متباينة مع المسيرات التي نختارها مزاجياً. إذا هنالك العيب فقد نجده فينا لأننا لا نرى الأمور كما هي، ولكن وفقاً لرغباتنا وراحتنا. إننا نستكثر البلايين الدولارية التي تحولها العمالة الأجنبية لأهليهم ومتناسين عقيدتنا "دفع أجرة الأجير قبل أن يجف عرقه". إننا لا نفرِّق بين توظيف المواطن وسعودة الوظائف وما يتطلبه الأول وما يعنيه الثاني .
الأحداث الدامية عالمياً توضح الأهمية الأمنية للوطن. يقوي صفوفها دعم المواطن المنتج لزيادة دخله وتأمين معيشته وراحة عائلته. التطاول في المعرفة والعلم والتقانة بما يتزاحم مع المستويات العالمية من البديهيات. توافرها بمستويات دون الاحتياجات يعني عدم توافر سوق عمل الاستفادة. "السوق" المكان لاجتماع البائع والمشتري. قدماء التجارة في ماضي الزمان تحدثوا عن "حسن السوق قبل حسن البضاعة". السوق للموارد البشرية بمثابة الأطر الإدارية السليمة والدوافع للعمل والإخلاص والالتزام "بالسلعة" المطلوبة من موارد بشرية"مؤهلة" ومصقولة يتوافر لها فرص عمل في أطر إدارية حديثة مدعومة بالإلكترونيات وعلوم الفضاء. الوقت مثل السيف إن لم تقطعه قطعك. إخلاص كثير من المديرين والرؤساء الخاصة والأهالي والرسميين مثل "العسل الحضرمي" الطموحات في الإنجاز قوية. والنتائج دون التطلعات : ربما لأنه "ماكو أوامر".
النقاش ليس مع المسؤول بقدر ما هو مع المسؤولية الرابضة على "مواقف" لا تتفاعل مع المعرفيات لسرعة إنجاز المهمات والتأكد من الضبط والربط في المصالح الحكومية والهيئات الرسمية ناهيك عن المؤسسات المساهمة العامة الربحية الحفاظ على الثروة من ضياعها نجده في تحويل العطالة والبطالة والفقر لمصادر حقيقية للازدهار الاقتصادي الاجتماعي وتعدد مصادر الدخل. والله أعلم .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي