E-mail:[email protected]
طبعا كما هو معلوم فإن أدوات التمويل المتوافق مع الشريعة تعتبر متعددة ومتنوعة مقارنة بأدوات التمويل التقليدية، التي تعتمد غالبا على القرض بفائدة، وهذا بطبيعة الحال يجعل لهذه الأدوات أعني المتوافقة مع الشريعة امتيازا استهداف شريحة أكبر من المستفيدين.
طبعا قبل الدخول في تفاصيل كيفية الاستفادة من مثل هذا النوع من العقود في التمويل المتوافق مع الشريعة لا بد أن نوضح مفهوم الاستصناع في الفقه الإسلامي. بالطبع كما هو واضح من مصطلح الاستصناع نجد أن له علاقة بالصناعة، وهو عبارة عن اتفاق بين طرفين على أساس أن أحدهما يتولى أداء عمل ما، يتفقان عليه مسبقا، والآخر يدفع مبلغا ماليا أيضا متفق عليه كمقابل لذلك العمل، وطبعا مثل هذا العقد نجد ان له ممارسات يومية لدى المجتمع، وبالطبع قد لا يستغني عنه أحد، فعلى سبيل المثال، العقد الذي يتم بين محل خياطة الملابس والزبائن، حيث يطلب الزبون من المحل خياطة ثوب له بمقاسات وطريقة معينة، على أن يدفع له مبلغا معينا مقابل هذا العمل، وبمجرد ما ينتهي الخياط من إعداد الثوب فإنه يسلمه للزبون ويأخذ المبلغ المتفق عليه. طبعا من الممكن أن يتسلم المحل جزءا من المبلغ قبل البدء بالعمل، والباقي بعد الانتهاء تماما من خياطة الثوب، أو أن يتسلم كامل المبلغ عند الانتهاء من العمل.
يمكن أيضا تطبيق هذا المثال على عقود المقاولات والبناء، لكن بالطبع بشكل أعقد نوعا ما، حيث يتفق طرفان على أن يعمل أحدهما للآخر منزلا أو محالّ تجارية، ويتفقان على آلية معينة لطريقة سير العمل ووقته، وكيفية سداد دفعات المبلغ المطلوب إلى أن يتمكن المقاول من إنجاز العمل وتسلم كامل المبلغ المتفق عليه. وهذا كله يندرج تحت مفهوم الاستصناع بشكل عام، وقد توسع فقهاء المذهب الحنفي في دراسة مثل هذه العقود وتفاصيلها.
مع توجه كثير من المؤسسات اليوم سواء المصرفية منها وغير المصرفية إلى تمويل مشاريع الإسكان، أصبح من الأهمية بمكان دراسة الوسائل التي يمكن تطبيقها لتمويل تلك المشاريع، خصوصا أن حاجة المجتمع السعودي كبيرة لمشاريع الإسكان، وتوفير عدد كاف من الوحدات السكنية لاستيعاب حجم الطلب المتزايد من المواطنين، ولتلافي احتمالات التضخم الذي قد يكون كبيرا نتيجة لتزايد الطلب في مقابل قلة المعروض، ولذلك من الممكن أن يستخدم مثل هذا النوع من العقود لتمويل شركات المقاولات، أو الشركات العقارية بشكل عام لبناء وحدات سكنية مناسبة للأفراد.
وتتلخص العملية بأن يتم اتفاق بين المؤسسات المالية وشركات المقاولات أو الشركات العقارية على أساس أن تتولى المؤسسات المالية تمويل بناء عدد من الوحدات السكنية، بمواصفات معينة ويكون التمويل على شكل دفعات خلال فترة البناء، وتتولى تلك الشركات بناء تلك الوحدات وتسليمها في الموعد المتفق عليه.
وبعد أن تتسلم المؤسسات المالية الوحدات السكنية تبدأ في عرض هذه الوحدات على المواطنين، سواء تم ذلك عن طريق البيع بالتقسيط، أو البيع نقدا.
طبعا كما ترى أخي القارئ أن مثل هذا العقد يعالج مشكلة توافر السيولة للشركات التي تتولى عملية بناء المساكن حيث إن كثيرا من المقاولين يواجهون مشكلة نقص السيولة لبناء وحدات سكنية كافية لحجم الطلب الذي يمكن أن يحتاج إليه المجتمع.
في الوقت ذاته هذا النوع من العقد يوفر فرصة لتمويل الأفراد للحصول على مسكن بالتقسيط الذي قد يمتد إلى مدد تصل إلى حدود 25 سنة.
