قبْل الرِّماء تُملأُ الكنائِن
تشييد المدائن هندسيا حديثا مثل برازيليا والرياض يعطي الهندسة المعمارية المليئة ماليا والمبدعة تنظيميا، فرصا معيشية متميزة للسكان وحياة الأفراد وفقا لثقافتهم وقيمهم وتعاملاتهم. التوافق بين الخدمات المتوافرة والرغبات الفردية الراقية تحكمها مستويات المدينة المشيدة والثقافة المتوافرة للقاطنين فيها. تقادم التشييدات وتزايد البقاء السكاني وتنوع الهجرات المستوطنة بثقافات متفاوتة، يقلب موازين التنظيمات، وربما يشوه القيم الإنسانية. تحديات المدن لتوفير كمال المتطلبات تتغير بمقدار تفاوت الضغوط السكانية ومدى تجاوب الجهات المتابعة "للنمائية"، حكومية ومدنية، للحفاظ على استمرارية تقدم نمطية المعيشة السكانية للمدينة (المدن) القائمة لأجيال كثيرة مضت دون تحديث المرافق، تتعرض لمختلف المتغيرات المدنية المتأثرة بالتوسع والانكماش والضغوط الاجتماعية والرواج الاقتصادي والكساد المعيشي. درجات تفاوت المتغيرات وطرق ووسائل التعامل معها، من أبرز المؤثرات الضارة على التكوينات الإنسانية المستقبلية. الوفرة المالية والاختلافات الطبيعية في السلوكيات الاجتماعية وقيم التعامل ومدى انصهار المستجدات تترك ثقلها على التركيبة السكانية. التأثيرات المجتمعية تظهر آثارها على التعاملات المعيشية تناغما مع قدرات المؤسسات الحكومية والأهلية المدنية في مواجهة " الأحمال" الاجتماعية الجديدة السالبة الدخيلة، كلما كان التأثير المؤسساتي المقنن لاحتواء السلبيات الاجتماعية قليل الترابط وضعيف الفاعلية يزيد الصراع بين المظهر " القابض" على حقيقة المقدَّرات والمخبر المضيِّع لحقيقة الأمور والمتمسك بالشكليات.
الازدهار الاقتصادي للمدينة باعث لبهجتها، وُمشرق لحرياتها وطارد لهمومها، لما يوفره من فرص عمل، وجذب لنشاطات تجارية ومشاريع حكومية وقيام مؤسسات مدنية وخدمية تقوِّي من الترابط الربحي بين مقومات المدينة واستثمارات من الداخل والخارج. النواقص الخدمية التي عليها المدينة من كهرباء وماء ومجار ونفايات وعشوائيات هموم يكرس وجودها ويزيد من ثقل مخاطرها ثقافة "رب ضارة نافعة". استمرار النظم الإدارية البالية لربط مقدرات المدينة بنسخ كربونية لأفكار إدارية حكومية مركزية "متسطِّحة" على مقدرات معيشة إنسانية قاتل للهمم ورباط انتحاري مع تزايد هجرة السكان وخنق مزمن للعيش والمعيشة. العموميات في تفسير الأمور المعيشية لا تختلف كثيرا عن التفصيلات. صورها متعددة لكن أضرارها واحدة. الأبرز بينها المدينة التي تتمتع بمتغيرات سالبة وتتغنى لأنها "غير" لتلقِّيها الدعم الحكومي والأهلي القليل واستقبالها الكثير لأطياف مختلف الفئات وتفاوت الثقافات. التركيبة السكانية الجداوية الحالية لا بد من أخذها في الحسبان لتحليل مشاكل المدينة والتحديات والطرق والأساليب المتبعة لمعالجتها. الأوضاع الخدمية والاقتصادية والتوظيفية التي عليها مدينة جدة لا تحتاج إلى دراسات عميقة لمعرفتها. الأمور المتدهورة لا تستحمل الانتظار وكثير من المحبطات واضحة للعيان. الاختلافات نقاشية وأسلوب العمل فردي سلطوي والتباين بين المؤسسات الخدمية والأهلية واضح. المرجعيات مختلفة إداريا وماليا والمساءلات متعددة وضائعة في أودية متفرقة. الوضع الراهن ليس ميئوسا منه لمن يتمعَّن فيه ويحدد مدى ترابطه معه وتقاربه له لتوفير المرجعيات المعيشية.
المحطات التي يدور حولها إنجاز الأعمال الخدمية ترتبط "لشوشتها" بمسؤوليات متفرقة ومتضاربة. "بلقنة" المهمات تجذَرَّت في فكر التعامل "حبة .. حبة" بين إدارات حكومية متناثرة في ربوع المدينة داخل مبان لا تليق بالمكانة الرسمية وتتخلف عمليا لتقديم المتطلبات الضرورية للمراجعين بكفاءة وسلاسة لنقص مواقف سيارات إلى "روائح كريهة" من دورات مياه ومصاعد منزلية لتشغيل جماعي. المرأة المراجعة دفاعا عن حقوقها منسية في الوجود الرجالي المتطاحن ومهملة في التعامل الإنساني. احتقار الرجل المواطن "للحرمة" يصيبها بالمهانة في وطنها وبين أهلها خاصة بعد إيداعها لانتظار دورها في "مستودع" مجاور للمجاري وللقمامة.. إلخ.
التفاوت في الطباع البشرية لم يتطور بعد إلى " النهش" للخاصة والعامة. الاتفاق على الاختيارات والأولويات أسهل كلما استطعنا تقريب وجهات النظر، ونطوع الطموحات الشخصية لتتقارب مع المصلحة العامة. المنطلق الواعد في مواجهة المسؤوليات الاجتماعية ودعم العمل الاقتصادي المنتج لربط المدينة بالمجتمعات الداخلية والخارجية يوفره ترسيخ ثقافة واضحة عامة ومعرفية متطورة لتكون الركن الأساسي الخدمي للارتقاء بنشاطات المدينة. الإنسان المواطن المخدُوم يستهدف الإصلاح ويتقبل مشاركته لبحث "المشكلة الجداوية" وبذل مجهود لمعرفة خيارات الحلول والتزامه بصيانة المكاسب لإضافات استمتاعية الحياة. الخطأ أن يتطلَّع المواطن، من الحكومة أو الغير لتوفير كامل احتياجاته لمكاسب العيش الرغد دون جهد أو حق. تفاعل المواطن ضمن النظم والقوانين لتحسين الخدمات يزيد الفاعلية للمكاسب والحب للمعطيات. التفاوت في المستويات المعرفية بين المواطنين مهم أخذه في الاعتبار وتشذيبه ثقافيا. الإنسان المواطن غاية لا تدرك. ثقافة المسؤولية تحيِّد الاتكالية وتقلل الغوغائية وتعظِّم التلاحم الفكري.
ثوابت قواعد إصلاح أحوال المدينة المعيشية والترفيهية والخدمية: التعليم المعرفي للمواطنة وثقافة المسؤولية ضمن توفير خدمة زمنية يتساير فيها التحسين المعيشي الخدمي مع الإصلاحات الإدارية والتشيدية الحاكمة للترابط المعيشي الخدمي. مهم الحرص توفير الإصلاحات الإدارية والتشيدية الحاكمة ضمن الفروع والمؤسسات والمنظمات إلخ التابعة لسلطات فوقية خارجية ومسؤوليات داخلية تستهدف القضاء على خدمات "مبلقنة" ولأهواء ما أنزل الله بها من سلطان، فيما يتعلق بالمستلزمات الأساسية الثابتة أو الضروريات الحقيقية الدائمة. التفكير في جدوى توفير آليات مشاركة تمثيل "جداودة المدينة"، ومنطقية ملازمة قطاعات القرارات المالية واعتبارها مطلبا مسبوقا لتوفير استقلالية في إجماليات الصرف، خاصة من داخل المؤسسات الحكومية المتخصصة مثل الجامعات. إمارة التعطيل الإداري المالي تتفوق على إمارة الأباريق. الأولى نقبلها على "مضض" في عصر النور والثانية نقدمها عبرة لخلفية جاهلة ضارة.
أوضاع مدينة جدة الاجتماعية الاقتصادية يتقبلها الجداودة المستوري الأحوال المالية والاجتماعية، بما يتخطى المصاعب الأزلية في التعليم والمجاري والمياه والمطار والجوازات وكتابة العدل.. إلخ. الطبقات العليا اجتماعيا: " سير" أحوالهم يعطي السرور لقلوبهم والقناعة أن جدة غير. محدودو الدخل والمتعاقدون يتحركون في ضائقاتهم ومعاناتهم مناظرين احتياجات استهلاكية يفتقدونها ومتوافرة لغيرهم وضرورية لأساسيات حياتهم المعيشية. الشريحة الفقيرة الأكبر عددا نقرأ عن معاناتها في الصحف ونسمع متناقلات الأخبار لمعيشتها السيئة وانعكاساتها السالبة "المخطرة" على نسيج المجتمع. ثقافة التكافل والتعاون مفقودة. المناظرة المريضة "من تحت لفوق" منتشرة والأعباء المالية متكاثرة لمواجهة ضروريات الحياة و"فرنجة" التزاحمات الاستهلاكية. ضخامة حجم المشكلة الاجتماعية الاقتصادية وتعقيدات مواجهتها تتطلب موضوعية صادقة ونظرة أمينة على الرغم من عدم تبويب الأبعاد التوثيقية لمعرفة الإحصائيات الأساسية والرئيسية لتعداد السكان والاحتياجات والمستشفيات والمدارس والمراكز الحكومية الخدمية. القليل المتوافر من المعلومات الخدمية مزعج. إخفاق تحسينه تدريجيا كوارث موقوتة مؤجلة. "طاسة" المسؤولية ضائعة وميزان الإنجاز وفقا لمستوى توفير الاحتياج معدوم. رغبة المحافظة على القليل من "الاستبيان" المتوافر ضائعة ومفقودة. المقدم للخدمة فاقد ثقافة المسؤولية والطالب يستمر ركضه لحاجته بإلحاح.
نقاش مشاكل جدة المدينة يتناوله الكثيرون وفقا لراحتهم وما يرتبط بمصالحهم: الأولويات تضيع لتناثر الجهات المسؤولة لتوفير كفاح العمل لمواجهة المتطلبات التقليدية بقدر الاستطاعة. إذا استثنينا الشريحة المعدمة من سكان المدينة فالجميع مسؤولون مقصرون في مهمتهم ومستفيدون من الخدمة المتدنية المستوى بطرق وأساليب تخترق عشوائية تطبيق النظم أو نقص القدرات أو بدائية العمل أو فقدان تسلسل المسؤوليات إلخ. عشوائية أولويات أحكام متسرعة لتحسين ظواهر "رفاهية" مثل الاختناقات المرورية، يبقي المدينة في دوامة استمرارية المنغصات والمضايقات. المدن الناجحة خدميا" تدار" مثل الشركات العامة المساهمة وتحكم إداريا وقضائيا لإقامة الحدود. ضعف الإدارة يصعِّب من إقامة الحدود. قيام الهيكليات الإدارية الفضفاضة، تطوير للإدارة الفردية نظرا للتوسع الجغرافي وتعدد المصالح وكثرة المهام وزيادة السكان. المهم ليس الهيكل بقدر ما هو المخبر المسبب لقيام المشكلة والمؤثر على المشكلة والتكوين.
الأوضاع التي عليها مدينة جدة طبيعية المعشر، مريحة الاستيطان على الرغم من الضائقات المجتمعية، في النظافة والمياه والمجاري والأمراض إلخ. تخلف التنظيمات الإدارية الحكومية لتوفير روح تسلسل التعاون الخدمي "يشربك الأحوال ويربك النتائج". المرجعية الإدارية الحكومية المركزية و"المحور" الخدمي محليا، لكمال إنجاز المهمات ضائع. كثير من التحديثات الإدارية مفرغة من فوائدها المعلنة وسلطوية الهدف. أحوال المدينة الخدمية مبهوقة: "ليست مطلقة ولا معلقة". الإدارة المحلية الحكومية متجزئة وانتشارها متفرقة دون توافق للخدمة. السلطة مجزأة بين مرجعيات إدارية متعددة التنظيمات ولا تتماشى مع فكر إداري علمي ولا أسلوب عمل حديث. النظم والقوانين غير متكاملة لوفاء المهمة الرسمية ولا تتماشى مع واقع الحياة الخدمية ولا تساير التطبيقات القائمة المفترضة. الاستثناءات كثيرة والمحسوبيات واضحة: الضرر ليس على الغير بقدر ما هو ترويض لاستمرارية التآخي مع اللا منطق.
التعايش الإنساني مع الأوضاع الاجتماعية المتوافرة "سوطرة" كثير من الشكاوي "حق يراد بها باطل". الأضرار كبيرة والسلبيات محفورة على النسيج الاجتماعي للمدينة. الأخطر مجتمعيا استمرار تقييم الأوضاع القائمة من مصالح شخصية وربحية آنية. التعاون في تقييم الأمور واحتساب الحقوق يتطلب ثقافة للجميع وتنظيم الإدارة المتكاملة للمدينة وتوفير الإدارة المالية الحكومية الحديثة والاعتمادات العادلة والمساهمة الفاعلة من طبقات المجتمع. "المشكلة الجداوية نائمة": داريها قبل انفجارها، والله أعلم.