أفضل الأعمال قبل صعود الإمام المنير (1 من 2)
تحدثت في المقال الماضي عن التنقل قبل صلاة الجمعة وعرضت لأقوال أهل العلم – رحمهم الله – في ذلك ورأي شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصلاة قبل الجمعة حسنة وليست بسنة راتبة إن فعل أو ترك لم ينكر عليه, وإن قال قائل هل الأفضل لمن جاء للجمعة أن يشغل وقته بالصلاة أو قراءة القرآن فالجواب من جاء للجمعة فيصلي ركعتين تحية المسجد.
سئل الإمام أحمد – رحمه الله – عن فعل أنواع من الطاعات فقال للسائل: أنظر ما هو أصلح لقلبك فأفعله, فمن الناس من رزقه الله حفظ القرآن فيجمع بين الصلاة والقراءة, ومنهم من يستعذب قراءة القرآن ومنهم من يأنس لكثرة الركوع والسجود وكذا يختلف باختلاف المكان فإن كان في مسجد يزدحم فيه المصلون ويكثر المترددون بين يدي المصلي فقد تكون قراءة القرآن أخشع لقلب الإنسان, وإن كان في مكان سالم من التشويش فلا شك أن الصلاة أفضل من القراءة لأن الصلاة تجمع قراءة وذكراً، ودعاء وقياما وتعوذا وركوعا وسجودا, فهي روضة من رياض العبادات, وإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة فاستكثر من السجود عسى أن تكون من الفائزين بالجنان المزحزحين عن النار، وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقدم أحيانا المفضول على الفاضل فأحيانا يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم, وكذا في قيام الليل وأحيانا تأتيه الوفود يشغلونه عن الراتبة فيجلس معهم ولا يصلي الراتبة إلا بعد صلاة أخرى كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخر راتبة الظهر فقضاها بعد العصر, فالإنسان العاقل يعرف كيف يقارن ويوازن بين المصالح، ويفعل ما هو أصلح لقلبه وربنا كريم لا يضيع أجر من أحسن عملاً. إن التنفل قبل صلاة الجمعة مما أطال فيه أهل البيان وبسط الكلام عن هذه المسألة الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه النفيس زاد المعاد وأنكر مشروعية السنة القبلية للجمعة, وذكر أدلة المخالف ونقدها، ومن كلامه, رحمه الله. أنه قال: "وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ بلال من الأذان أخذ في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة ولم يكن الأذان إلا واحداً وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقى المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي في الخطبة من غير فصل, وهذا كان رأي عين .. فمتى كانوا يصلون السنة؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال, رضي الله عنه, من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة إلى أن قال: وأما تطوع ابن عمر قبل الجمعة وإطالته للصلاة فإنه تطوع مطلق, وهذا هو الأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي, صلى الله عليه وسلم, قال: من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام "خرجه الإمام مسلم في الصحيح"، وعن نبيشة الهذلي أن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدا فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له وإن وجد الإمام خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن تكون كفارة للجمعة التي تليها أخرجه الإمام أحمد في المسند, هكذا كان هدي الصحابة رضي الله عنهم.