العالم الرابع

في أعقاب الحرب العالمية الثانية بدأت الشعوب تتحدث عن دول الناتو كمرادف للكتلة الغربية، ودول ميثاق وارسو كمرادف للكتلة الشرقية، وتم تقسيم دول العالم إلى دول تنتمي إلى العالم الأول وهي الدول العظمى Superpowers وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي (سابقاً). والعالم الثاني للدول الغنية المتحالفة مع الدول العظمى. وظلت هذه النظرة سائدة إلى أن أصدر العالم الفرنسي المشهور ألفرد سايوفي – كتابه المشهور "العالم الثالث"، وتم بناء على ذلك استخدام هذا اللفظ ليصف تلك الدول الرجعية – غير المنحازة إلى العالمين الأول أو الثاني. ويمكن القول إن لفظ العالم الثالث غير محدد وله صفة أيديولوجية، ويستخدم كمرادف للدول النامية Developing Countries والمستقلة في توجهاتها السياسية.
وتوصف دول العالم الثالث كدول ليس لها صناعات تقنية متطورة كتلك التي تملكها الدول الصناعية المتقدمة Developed Countries ولها العديد من الأسماء المتداولة كدول الجنوب South أو الدول النامية أو الدول أقل نمواً من الدول المتقدمة Less Developed كما أصبح لفظ العالم الثالث ليس له معنى واضح وقد يدل على الازدراء.
وفي ظل التطورات الحديثة التي صاحبت اقتصادات بعض الدول المنتسبة إلى العالم الثالث صعوداً أو هبوطاً خلال العقود الثلاثة الماضية، تمكنت بعض الدول في العالم الثالث من تعديل أو تغيير أوضاعها الاقتصادية والسياسية، وكان نتيجة ذلك ظهور مجموعتين متميزتين على الساحة الدولية:
مجموعة التصنيع الحديثة: وهي دول لها اقتصاديات متطورة عن دول العالم الثالث ولكن لم تصل بعد إلى مستوى الدول المتقدمة في العالم الأول، ويعبّر عنها بالدول ذات التصنيع الحديث Newly Industrialized Countries وهي تضم حالياً (14) دولة على رأسها الصين إضافة إلى الهند ونمور آسيا – تايلاند وماليزيا والفلبين – وتركيا والمكسيك وجنوب إفريقيا، ودول مجلس التعاون الخليجي الست.
مجموعة الدول الأقل نمواً: وهي تلك الدول التي تظهر مؤشرات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (الأقل) وأيضاً مع معـدلات للتنمية البشرية (الأقل) قياسـاً بباقي دول الأمم المتحـدة بما في ذلك دول العـالم الثالـث أو بمعنى آخـر هي الدول (الأقل) نمواً Least Developed countries واعتبرت بالتالي دولاً من العالم الرابع Fourth World.
ولقد وضعت ثلاثة معايير تؤخذ في الحسبان لدى تقييم الدول التي تنتمي للعالم الرابع:
المعيار الأول: أن تكون ذات دخل منخفض، بأن يكون متوسط دخل الفرد الصافي سنوياً – خلال السنوات الثلاث الأخيرة – في حدود أقل من 750 دولارا ولا يتجاوز 900 دولار.
المعيار الثاني: ضعف الموارد البشرية لها والمبني على تدني مؤشرات التغذية والصحة والتعليم وأمية الكبار.
المعيار الثالث: التخلف الاقتصادي المبني على عدم الاستقرار في الإنتاج الزراعي، وعدم ثبات تصدير البضائع والخدمات، والأهمية الاقتصادية للأنشطة التقليدية، والتركيز على التصدير التجاري، والتسابق على الاقتصاديات الصغيرة، مع وجود نسبة من السكان المشردين من جراء الكوارث الطبيعية.
ويندرج تحت هذا المفهوم في الوقت الراهن 50 دولة من العالم الرابع – أي أكثر من ربع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة – وهي تضم 34 دولة إفريقية غالبيتها جنوب الصحراء، منها دول ذات تاريخ وحضارة سابقة كالحبشة وتنزانيا أو دول ذات كثافة سكانية عالية مثل: الكونغو الديمقراطية وأوغندا ومدغشقر، وعشر دول آسيوية منها أيضاً دول ذات تاريخ معروف (اليمن – وأفغانستان) أو دول كثيفة السكان (بنجلادش)، وخمس دول قزمية في المحيط الأطلسي (جزر الساموي ولسليمون) إضافة إلى دولة هاييتي المعروفة في أمريكا الشمالية.
والجدير بالذكر أن هناك سمات مشتركة تجمع بين مجموعة دول العالم الرابع وتحدد مظاهر اقتصادها الضعيف، نذكر منها الإفراط في الديون الحكومية وبنسبة تتجاوز دخلها القومي، محدودية الفرص الاستثمارية فيها، وانتشار ظواهر اجتماعية مدمرة كالفقر والبطالة والمرض، والتمسك بأساليب الاقتصاد التقليدي وغياب التخطيط الاستراتيجي.
والسؤال الآن: ماذا عن وضع مجموعة الدول العربية؟
تشير التقارير الدولية إلى أن مجموعة الدول العربية تشكل (كوكتيل) غريبا من أنماط اقتصادية ذات ثلاثة أبعاد مختلفة في إطار عالم متغير، فهي تضم دولا متقدمة اقتصادياً وتصنف باعتبارها ضمن دول التصنيع الحديثة وتضم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست ذات الدخل المرتفع، والذي قد يتجاوز دخل العديد من الدول المتقدمة في أوروبا، كما أنها تلتزم بالأساليب التقنية في قطاع الصناعات غير التقليدية، خاصة ما يتعلق بالصناعات البتروكيماوية والإلكترونيات وغيرها.
وهناك مجموعة الدول العربية التي تنسب بالضرورة إلى العالم الرابع وتضم أربع دول عربية إفريقية (الصومال ـ جيبوتي ـ موريتانيا ـ جزر القمر) إضافة إلى اليمن. أما غالبية الدول العربية (وعددها 15 دولة) فهي بالقطع من دول العالم الثالث، منها دول تسعى جاهدة إلى التحول الصناعي للدخول في عالم الدول ذات التصنيع الحديث والباقي لدول عربية ذات إمكانات اقتصادية محدودة وتواجه مشكلات اجتماعية وانقسامات عرقية قد تؤدي في النهاية إذا لم يتم حلها إلى سقوط هذه الدول في شرك مجموعة دول العالم الرابع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي