Author

السعوديون 50 مليونا في عام 2030

|
[email protected] حينما نستشرف مستقبل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا في ضوء الأرقام المحتملة نشعر, للأسف, بشيء من الغصة. وإذا أخذنا مشكلة الزيادة الملحوظة في معدلات عدد السكان وهي لب المشاكل كلها، فإننا نجد أن عدد سكان المملكة وفقًا لنظرية توماس مالتس المعروفة التي يقول فيها: إن عدد السكان في المجتمعات الطبيعية سيتضاعف كل 25 سنة إذا لم يتعرض المجتمع لإحدى كوارث الدمار الجائح؛ كالمجاعات والحروب والأمراض الفاتكة. إن الأستاذ توماس مالتس حينما أراد أن يدعم نظريته استعرض الأوضاع السكانية في الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول أوروبا، ثم توصل من هذا الاستعراض إلى صحة الفروض التي أقام عليها نظريته السكانية. وإذا جاز لمالتس أن يستخدم بعض دول أوروبا وأمريكا لإثبات صحة نظريته، فإنه لا ضير علينا من استعراض بعض الدول التي تتشابه أوضاعها السكانية والاقتصادية مع أوضاعنا لنرى الواقع الذي سيكون عليه المجتمع السعودي بعد 25 سنة. وإذا كانت التقديرات الإحصائية تقول أن عدد سكان المملكة في عام 2005م وصل إلى 25 مليون نسمة، فإن عدد سكان المملكة – وفقًا لنظرية توماس مالتس - سيبلغ في عام 2030 عدد 50 مليون نسمة. والسؤال القضية إذا كان مجتمعنا يعاني الآن من بطالة تضرب شريحة الشباب من الفئات العمرية التي تقع بين 15 إلى 25 سنة، ويعاني من عدم توافر أماكن للطلاب في الجامعات، ويعاني من أزمات في المرور والسكن وانتشار العنف ونقص في المياه، وفي مشاريع الصرف الصحي والكهرباء والمستشفيات والأندية الرياضية. إذا كان الحال هكذا ونحن 25 مليون نسمة، فكيف سيكون عليه الحال حينما يبلغ عدد سكان المملكة ضعف العدد الحالي، أي حينما يصل تعداد السعوديين إلى 50 مليون نسمة بدلاً من 25 مليون نسمة. بالطبع ستكون هناك فجوة بين النمو في العرض (الإنتاج) من طعام وخدمات، ونمو في الطلب بسبب نمو السكان على هذا الإنتاج، وإذا لم تقفل هذه الفجوة في السنوات الحالية فستصبح أكثر حدة وتفاقمًا في المستقبل، وإذا كان الاقتصاد حالياً في حالة رواج وانتعاش.. ومع ذلك تغيب عن المجتمع أهم مشاريع البنية التحتية، فإن الوضع بعد 25 عاماً حينما يتضاعف عدد السكان وتتراجع الإيرادات مقارنة بعدد السكان.. سيكون العلاج صعبًا للغاية. وإذا جازت المقارنة لنأخذ المجتمع المصري - على سبيل المثال - فقد كان حال المجتمع المصري قبل 30 سنة مضت يتشابه في عدد مشاكله الاقتصادية مع المجتمع السعودي، ولكن إذا استعرضنا الشارع المصري اليوم نجد أن أزمة المرور وأزمة السكن وأزمة الكهرباء وأزمة المياه وأزمة البطالة تضاعفت إلى حد كبير. وتأسيسا على ذلك فإن المجتمع السعودي ربما يعاني بمثل ما تعاني منه المجتمعات النامية في مصر وفي سورية وفي باكستان. ولكن حتى لا نعاني بمثل ما تعاني هذه المجتمعات، فإن القضية تحتاج بالفعل إلى خطة استراتيجية تستشرف المستقبل بموضوعية وتسعى إلى تحقيق التوازن بين عدد السكان وبين الناتج القومي، وتستخدم كل الوسائل التكنولوجية والضرورية اللازمة للابتعاد عن شبح مشاكل الزيادة في عدد السكان، وهي مشاكل إذا وقعت بحدتها المعروفة فإنه يصعب مواجهتها وإيجاد الحلول المناسبة لها. إن حل مشكلة الزيادة الهائلة في السكان تكمن في ضرورة التوسع في استخدام التكنولوجيا للبحث عن حلول لمشاكل المستقبل، بحيث تلعب التكنولوجيا دورا ملحوظا في زيادة الإنتاج ووضع الحلول الفنية السريعة لحلحلة بؤر التخلف. كنا في مجلس وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق معالي الأستاذ هشام ناظر، وطرح في المجلس موضوع الثروة والإنسان، فقال أحد رجال الأعمال متعجلاً: إن قيمة الإنسان – في العصر المادي الذي نعيشه - هي في فلوسه، وإن الإنسان لا قيمة له دون ثروة. ولم تعجبني هذه العبارة المتوحشة، وقلت على الفور: إن الصورة تبدو مقلوبة وإن الإنسان هو الذي يجلب الثروة والثروة لا تجلب الإنسان. قال محتجًّا: هذا غير صحيح، فقلت له: دعنا نتحدث على مستوى الدول، أولاً اليابان وكوريا والصين ليس لديهم ثروة طبيعية، وإنما أصبحوا من أثرى الدول عن طريق الموارد البشرية الخلاقة، أما على مستوى الأفراد فإن شخصًا توفاه الله ولديه ولدان فقط، وترك لهما ثروة مقدارها مليونا ريال أخذ كل ابن مليونا، وبعد عام واحد استطاع أحد الأبناء أن يجعل المليون الواحد مليونين بنسبة أرباح 100 في المائة، بينما تأخر الثاني بنسبة خسارة 100 في المائة وأضاع المليون في اللهو واللعب، وحينما سمع صديقي دور الإنسان في الأرباح والخسائر قال: لقد قلّبت دماغي!! إننا لسنا وحدنا الذين نعاني من مشاكل الزيادة الملحوظة في عدد السكان، بل إن الكثير من دول العالم الثالث تعاني من هذه المشكلة، والقليل منها – للأسف - عالج هذه المشكلة قبل أن تستفحل، بل إن بعض الدول الناجحة حولت الزيادة في عدد السكان من نقمة إلى نعمة، أي أنهم وضعوا استراتيجية للموارد البشرية بحيث اتسعت مهارات السكان وأصبحت إنتاجياتهم أعلى بكثير من إنتاجية أمثالهم في دول أخرى. إن اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة – على سبيل المثال - أصبحت دولاً متقدمة بسبب مواردها البشرية، ولم تصبح متقدمة بسبب مواردها الطبيعية، ولاشك أن السعوديين ولدوا على الفطرة وفي رؤوسهم مواهب وذكاء، وتحتاج مواهبهم إلى صقل وتدريب وتطوير، ونستطيع القول إن الإنسان السعودي يتمتع بإمكانيات زاخرة، ولكنه في حاجة إلى برامج تستخرج هذه الإمكانات وتجعلها حقائق على الأرض في شكل مشاريع تحقق التقدم والازدهار للمملكة. وسيلعب الإنسان السعودي, إذا ما أتيحت أمامه فرص التدريب والتطوير, دورا مهما في التنمية والنهوض بالمملكة إلى مستوى الدول الذكية والمتقدمة. وهكذا تبلغ المملكة العربية السعودية المستوى الذي نتمناه عن طريق الإنسان السعودي الأكثر مهارة والأكثر إنتاجية.
إنشرها