وقت صلاة الجمعة
تحدثت في اللقاء الماضي عن أول وقت صلاة الجمعة، وعرضت مذهب الحنابلة بشيء من أدلته الدالة على أن أول وقت صلاة الجمعة من ارتفاع الشمس قيد رمح، وبتأمل أدلة الحنابلة النقلية يتبين منها صراحة الدلالة على أن الجمعة تصلى قبل الزوال وليس فيها ما يدل على أن وقت صلاة الجمعة يبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح، ومن المقرر عند العلماء أن كل تحديد بمكان أو زمان أو عدد فلا بد له من دليل نقلي صحيح، وغاية ما استدلوا به في تحديد أول الوقت أن صلاة الجمعة صلاة عيد الأسبوع فأخذت حكمها في الوقت وهذا الدليل لا يستقيم للاختلاف في الحكم والصفة ولأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الجمعة بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، بل هذه الأدلة يستدل بها من رأى أن صلاة الجمعة تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعة استنادا لحديث أبي هريرة: (من راح في الساعة الأولى.. . - إلى أن قال - ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)، فيكون حضور الإمام على مقتضى حديث أبي هريرة في الساعة السادسة وقد رجح الموفق ابن قدامة هذا القول واختاره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
ويرى جمهور العلماء أن صلاة الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال، لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس). متفق عليه. وفي الصحيح عن أنس (حين تميل الشمس). ولأنه الوقت الذي كان يصليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر أوقاته، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم خروجا من الخلاف. فإن الإجماع منعقد على أن وقتها بعد الزوال وليتحقق اجتماع الناس لها ولا سيما أنها صلاة تفوت ولا تقضى ودفعا للاختلاف الذي يحصل من اختلاف وقت صلاة الجمعة. وآخر وقت صلاة الجمعة هو آخر وقت صلاة الظهر بلا خلاف وقد سئلت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، عن حكم صلاة الجمعة قبل الزوال فكان الجواب: في تحديد أول وقت صلاة الجمعة خلاف بين العلماء، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن أول وقتها هو أول وقت الظهر وهو زوال الشمس، فلا تجوز صلاتها قبل الزوال بكثير ولا قليل ولا تجزئ لقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: كنا نجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء.. رواه البخاري ومسلم. ولقول أنس رضي الله عنه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس. رواه البخاري، وقال جماعة: لا يجوز قبل السادسة أو الخامسة، وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أن أول وقتها هو أول وقت صلاة العيد، أما الزوال فهو أول وقت وجوب السعي إليها واستدلوا لجواز صلاتها قبل الزوال بقول جابر رضي الله عنه، كان رسول الله يصلي (يعني الجمعة) ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس. رواه مسلم، ولقول سلمة بن الأكوع (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء. رواه أبو داود. ويجمع بين الأحاديث بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعد الزوال أكثر الأحيان ويصليها قبل الزوال قريبا منه أحيانا، وعلى هذا، فالأولى أن تصلى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخروجا من الخلاف، وهذا مما يدل على أن المسألة اجتهادية وأن فيها سعه فمن صلى قبل الزوال قريبا منه فصلاته صحيحة إن شاء الله ولا سيما مع العذر.