تأخر إنجاز المشاريع.. هل هو مقصود؟
هناك العديد من المسائل التي تثير جدلاً في قطاع العقارات الذي يشهد ازدهاراً مطرداً في منطقة الخليج عموماً ودولة الإمارات خصوصاً، ومنها معرفة ما إذا كان التأخر في إنجاز الكثير من المشاريع المعلن عنها، مقصوداً أم غير مقصود. فالقراءة الحالية لوضع القطاع تظهر أن عدداً قليلاً فقط من المشاريع العقارية الكبرى، قد أُنجز في الموعد المتفق عليه، الأمر الذي يشكل ضغطاً على الجهات التي قررت الاستثمار في المشاريع المتبقية، على اعتبار أن تأخر إنجازها يحول دون تمكين المستثمرين من تحقيق العائدات التي كانوا يتوخونها.
وعلى الرغم من أن بعض المستثمرين يعتقد أن سبب هذا التأخير قد يعود إلى نوايا المطورين السيئة، إلا أن ذلك غير صحيح في معظم الحالات. فالمشكلة التي تواجه المستثمرين تتمثل في أنهم يلتزمون بمواعيد تسليم، من دون إجراء تقييم صحيح للمخاطر التي يمكن أن تعترض المشاريع الكبرى، فهم يعتقدون أن المباني ذات التصميمات الفريدة التي ينوون القيام بها، هي مشاريع مشابهة لتلك التي أنجزوها في الماضي. وبالتالي فإنهم يتجاهلون حقيقة أن معظم المشاريع الجديدة يتم تطويرها في مناطق لا تتوافر معلومات حول تركيبة التربة والظروف السطحية فيها، مقارنة بالمناطق التي طوروا فيها مشاريعهم السابقة. وهم يتجاهلون أيضاً أن تلك المشاريع تتسم بتصميمات جديدة تحتاج إلى دراسة متأنية بما يضمن تطويرها وصيانتها بأسلوب اقتصادي. وهناك حقيقة أخرى هي أن الاستشاريين والمقاولين والمزودين يتلقون كماً ضخماً من عروض المشاريع لدرجة لا تسمح لهم قبول مشاريع جديدة وتنفيذها بالشكل المطلوب. فهذه التخمة في المشاريع ستقود إلى نقص القوى العاملة الماهرة، الأمر الذي سينعكس سلباً على الجودة. وبعبارة أخرى، هؤلاء المطورون يتجاهلون العديد من الحقائق ويفترضون أن الزمن كفيل بتدبير أمرها.
والالتزام بتطبيق خطة مبنية على تجربة سابقة من غير أخذ تلك الأمور في الاعتبار، قد يكون استراتيجية مضللة. لذلك، يجب على المطور ألاّ ينسى أن لكل نشاط من نشاطات المشروع المعني، سيناريوهات متشائمة وأخرى متفائلة إضافة إلى السيناريوهات الأكثر احتمالاً. والواقع أن الفشل في تشكيل صورة متكاملة عن تأثير كل من هذه السيناريوهات في الخطة المستهدفة للمشروع، قد يجعل إنجاز العمل في المواعيد المحددة وضمن الميزانية المتفق عليها، مجرد أضغاث أحلام.
لو افترضنا أن مشروع تطوير بناء بسيط يستغرق تصميمه ستة أشهر وإنشاؤه عامين، فإن المدة الزمنية الأكثر احتمالا لإنجازه ستكون 28 شهراً. ولو افترضنا أن مرحلة التصميم يمكن أن تنجز خلال خمسة أشهر أو قد تتأخر وتمتد إلى ثمانية أشهر نتيجة تأخر الموافقات ودراسة التصميم. ويمكن أن نفترض أيضاً أن أعمال الإنشاءات قد تنجز قبل شهر واحد من الموعد، أي خلال 23 شهراً، أو قد يتأخر ذلك شهرين، أي ستصبح فترة الإنجاز 26 شهرا، في حال تأخر توصيل المواد أو الحصول على الموافقات، أو نتيجة ظروف الموقع، وغير ذلك. والآن عندما نضع في الاعتبار هذه السيناريوهات المتفائلة والمتشائمة لدى تطوير خطة المشروع، ووضع تصور شامل لتأثيراتها، فسوف نكتشف أن فرصة إنجاز المشروع خلال فترة 28 شهرا باعتبارها المدة الأكثر احتمالاً لإنجاز المشروع، لا تتجاوز 25 في المائة. وعليه، فإن الفترة الزمنية التي يمكن للمطور أن يلتزم بها ويكون واثقاً بنسبة 100 في المائة من إنجاز المشروع خلالها، هي 34 شهراً. وقد يصبح هذا الوضع أسوأ في حال كان المطور يعمل على إنشاء مشروعين متماثلين في الوقت نفسه واستناداً إلى الافتراضات ذاتها، فإن فرصة إنجازهما خلال فترة الـ 28 شهراً، لن تتجاوز نسبة 7 في المائة.
وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يتحمل المطورون مغبة مواصلة تجاهل تأثير المخاطر في مشروعاتهم، وبالتالي فقدان ثقة المستثمرين فيهم وفي وعودهم؟
* الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "سي إم سي إس"