(الأكحل) العرق الذي لا يرقأ

(الأكحل) العرق الذي لا يرقأ

[email protected]

تعرض المسلمون لمحنة كبيرة في معركة الخندق أو الأحزاب، فلم تجتمع قوة قبلية ضاربة منذ يوم معركة ذي قار كما حدث في معركة الأحزاب،  بما فيها الطابور الخامس المتمثل في يهود بني قريظة، فنقضوا عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي كانوا يمثلون جدار الحماية الخلفية للمسلمين في المدينة.
سميت معركة الخندق بهذا الاسم، بسبب إدخال تكتيك جديد مستورد من معارك الإمبراطورية الفارسية، بنصيحة من الصحابي (سلمان الفارسي)، وهو حفر الخنادق، مما شكل لأبي سفيان قائد القوة الضاربة والقبائل المحتشدة معه، مفاجأة غير سارة، انبنى عليها القتال من بعيد، دون مواجهة مباشرة بالسلاح الأبيض، أي استخدام سلاح المقذوفات، من أمثال السهام والرماح والحجارة. ويقال إن الفارس الوحيد من طرف قريش، الذي أمكنه العبور، هو عمرو بن ود العامري، فكلفه هذا حياته بسيف علي (ذو الفقار)..
وفي هذه المعركة التاريخية الحاسمة، حوصر المسلمون، وهددت النواة الجنينية الإسلامية المتشكلة، بخطر الإبادة الفعلية.
وحتى نستطيع فهم الظروف النفسية، التي كان يعيشها المسلمون في تلك اللحظات الحرجة، علينا مراجعة بضع آيات من سورة الأحزاب، التي أخذت اسم المعركة: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا).
وكان المنافقون يضحكون على المسلمين؛ فيقولون كان محمد يعدكم كنوز كسرى وقيصر، وأحدكم لا يأمن على نفسه اليوم من الذهاب لقضاء حاجته.
وفي المعركة حدثت واقعة فريدة، لفتت نظري، ولعلي فهمتها في ضوء التطور الجديد لجراحة الأوعية الدموية، وهي إصابة (الصحابي سعد بن معاذ) رضي الله عنه حيث قضى نحبه فيها بشكل لاحق.
تقول السيرة إن الصحابي الجليل، استدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم للحكم في الطابور الخامس، فكان ضعيفاً مرهقاً، إلى الدرجة التي لا يتمكن فيها من النزول عن ظهر حماره، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن حوله، قوموا إلى سيدكم سعد فأنزلوه.
وكان السبب في ضعفه، إصابته بسهم جعله ينزف بغزارة، مما أرهقه إلى حد كبير، وذكرت كتب السيرة أنه أصيب في (أكحله). فما هو الأكحل هذا يا ترى؟
أنا شخصيا كنت أمرّ على القصة، فلا أتصور إلا أنه في كاحل القدم، ولكن الكاحل ليس فيه شريان مكشوف ولا كبير خطير النزف..
فما هو الأكحل هذا يا ترى؟
تذكر كتب السيرة والأدب أن الأكحل هو عرق إذا أصيب فإنه لا يرقأ!!
إذن حسب مصطلحات الطب الحديثة، هناك إصابة شريانية، ولشريان كبير لا يرقأ، أي لا يكف عن النزف، حتى يقضي على صاحبه، وهو الذي حدث فعلاً مع الصحابي المذكور، كما نفهم أنه كان من النوع الذي ينزف إلى خارج الجسم، وليس داخله،  تحت كلمة الصحابي (وإلا فافجرها علي).
وكانت العادة الدارجة في أيام الجاهلية، والإسلام بعده، مقاومة الجروح والنزف في حال وقوعها بالكي،  أو حرق حصيرة، ووضع رمادها على مكان الإصابة. 
وبالنسبة للكي؛ فنحن مازلنا نطبقه في النزف الطفيف والسطحي، وهو المعروف في الجراحة (بالكاوتري)، وهو أيضاً  ما عالجت به فاطمة الزهراء رضي الله عنها أباها الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد حين جرح.
ولكن لماذا كانت إصابة الصحابي (سعد بن معاذ) غير قابلة للمعالجة بإمكانات تلك الأوقات؟
لننظر، وفي ضوء التطور الجديد لجراحة الأوعية الدموية، إلى نوعية إصابات الأوعية، ومدى معالجتها في مراكز جراحات الأوعية الدموية.
إذا كانت إصابة الصحابي بجرح قاطع في معركة الخندق لشريان كبير في الذراع فيجب أن يكون حسب فهمنا الطبي الحالي ومعرفتنا التشريحية أنه الشريان الأبطي في الغالب، وهي إصابة ترعب الجراحين العامين، وتحتاج إلى جراح أوعية دموية متمكن، يعرف كيف يضبط النزف، ويصلح المكان المصاب، وهي عملية تمتد لساعات وبصبر فولاذي ودقة متناهية لأمكنة تعد بالمليمترات..

الأكثر قراءة