أما حان زمن الاعتراف (2من3)
لا بد من الاعتراف بتدني وأحيانا فقدان استقلال مراجعي حسابات الشركات حول العالم، مما يؤدي إلى خضوعهم شاءوا أم أبوا لإرادة إدارة الشركة، فهي التي تتحكم في مصادر رزقهم، تعينهم وتفصلهم فعليا حتى ولو احتج البعض أن هذا شكليا وقانونيا مناط بالجمعية العمومية، كما أنها هي التي تعمدهم بتقديم خدمات الاستشارات المالية والإدارية التي تمثل أتعابها عشرات أضعاف المراجعة المالية، حتى ولو تم منع ذلك في بعض التشريعات إلا أن هناك طرقا عدة للتحايل على مثل هذا المنع. وعلى الرغم من دعم الحكومات بشكل مباشر.
بدأ تقنين استقلال المراجع منذ الثلاثينيات من القرن الماضي وعلى الأخص قانون هيئة الأوراق المالية الأمريكيSEC عام 1933م، كما أنه موثق لدينا في نظام الشركات والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين إلا أن ممارسات مراجعي الحسابات على أرض الواقع عزز فكرة الارتباط المباشر بين الإدارة والمراجع، وأضحى جل الناس حول العالم يرون أن المراجعين تابعون للإدارات شئنا أم أبينا، وهذا موثق علميا من خلال أبحاث علمية منشورة في بلدان كثيرة حول العالم.
يجب الاعتراف بأن هناك فجوة توقعات كبيرة بين ما تقوم به المهنة فعلا وما يطمح إليه المستفيد من القوائم المالية، فلقد دأبت المهنة منذ 50 عاما على بناء معايير المراجعة وإجرائها على أساس فلسفة أن المراجع ليس مسؤولا عن اكتشاف حالات الغش والخطأ والتلاعب ما دام أنه أنجز مهمته حسب معايير المراجعة المتعارف عليها، كما رٌسخت هذه الفكرة في أذهان كل المنتمين للمهنة، وأصبحت المصدر الأساسي للدفاع عن المحاسبين والمراجعين في حالة وقوعها. ومع ذلك فإن هناك أبحاثا علمية موثقة تدعم اتجاه المستفيدين إلى ضرورة تأكد المراجع من خلو القوائم المالية من مثل هذه الممارسات؛ بل إن أغلبية المستفيدين يرون أن هذه المهمة هي الدافع الرئيس لتعيين المراجعين. إذا هناك فهم خاطئ لدى المستفيدين في جميع أنحاء العالم حول عمل المراجع؛ لم تستطع المهنة العمل بجد لتلافيه. فلا يعرف المستفيد من القوائم المالية حقيقة القوائم المالية، وأنه يستحيل علميا أن يضمن المراجع خلو القوائم المالية من الأخطاء والغش والتلاعب مهما أعطي من الوقت والمال وذلك لطبيعة القياس المحاسبي الذي يبنى على أساس فرضي وليس علميا. ومما زاد الإشكال، لجوء كثير من الوحدات الاقتصادية إلى تقليص أتعاب المراجعة إلى درجة يستحيل معها البتة إتمام عملية المراجعة ولو بالحد الأدنى؛ وتهافت كثير من المراجعين على قبول عمليات المراجعة بأجور متدنية على أمل تعويض ذلك عن طريق الحصول على خدمات الاستشارات المالية والإدارية بأتعاب مضاعفة، والله أعلم.