من جرَح كرامتنا؟

[email protected]

.. هل ما زال اسم بلادنا ناصعا بين الأمم؟
سؤال مهم، وتتوقف عليه نظرتنا لأنفسنا، وتقييمنا لاستطاعاتنا وجهودنا.
لقد سجلنا درحات قليلة في شهادات التقييم العالمية في الإنجاز العلمي، وفي قياسات المنافسة، ومناخ العمل المفتوح، وفي قياسات الأداء العام.. ويتهموننا أيضا بخرق حقوق الإنسان.. كيف نقابل كل هذا؟
أنا لست خائفا، ولا متضايقا من كل هذه الأقاويل التي دارت في العالم ، ولكني خائف ومتضايق مما أدمناه من قضية النكران الدائمState of denial . لا يهمني أبدا، كيف ينظر إلينا العالم، ولكن يهمني كيف يجب أن نرى أنفسنا, بمعنى إن أردت أن أرتقي في سلم الحضارة فلا بد أولا أن أعرف موقعي الحقيقي، ولا بد من رأي الآخرين فيّ – حتى لو كان في اعتقادي أنه ظالم أو قاس- كي أحدد موقعي، لأنك إن لم تحدد موقعك بدقة، فإنك إذن لن تصل إلى شي.. أو إن وصلت فليس للمحطة المنشودة.. وهذا أسوأ!
إن من الحصافة الشعور بالتحدي، وليس بالنكران والتصدي، فتتبدد الطاقة، لأن بذل الجهد والحبر لصد كل ما يقال لا يحركنا مليمترا واحدا إلى الأمام، بل يهدر طاقتنا، وذلك يجرنا إلى الخلف، لأن مجرد الوقوف هو نكوص، العالم لا يقف، وإن أنت وقفت تركك خلفه. علينا التأمل في أي تقييم حتى لو كان ظالما أو كارها كمناسبة كي نستعرض انتاجنا ، ونفحص موقعنا، ونحدد اتجاهنا، ونعيد وزن معاييرنا، بدل أن نعيب كل ما يقال عنا، فلا يسمعنا إلا نحن. وبعضنا ملّ من كثرة النفي والإنكار فخفت درجة التصديق.. وهذا لا ينفع البتة.. بل يضر. ويتضايق البعضُ من جاهزية المسؤولين للدفاع والشجب، وتجييش الأقلام لذلك، وليتنا نقنع غيرنا، وإنما نحرق أعصابنا بنارنا، وهذا لا يمكن أن يكون من الحكمة ولا من الصواب، ولا من حنكة قيادة الأمم. ليتنا نأخذ من كل انتقاد يوجه لنا لقيما ندفعه إلى تروس مولداتنا لنندفع إلى الأمام.. حينها لن نخاف من القوائم، ولن نرتجف ونزبد من الغضب.. ولكن سنشكر كل من وضعنا في قائمة أو أخرجنا منها، لأنه ينبهنا كل يوم إلى أننا لا بد أن نمضي إلى الأمام.. ولأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح. وهذا الصحيح ليس حالة الإنكار، ولا التمجيد للذات – ولا أيضا عقاب وتصغير الذات- ولكن بشحذ الهمة الداخلية، ودراسة المعطيات، وتسجيل الحالات بصراحة وصدق.. هنا لا مانع حتى أن أشكر مَنْ قَيَّمنا خاطئا أو صادقا، كارها أم محبا.. بمعنى أن تكون هذه التصنيقات شاحذة للهمة ، وليست تأجيجا لغضبٍ آسر.
يجب أن نؤمن نحن كلنا كمواطنين ومسؤولين أننا لسنا من طينة أقل من الآخرين، ولسنا أيضا من طينة أرقى من الباقين.. أن نؤمن أننا نملك ما يملكون، ونستطيع ما يستطيعون، وأن الطريق المنتج يكون عن طريق المكاشفة أولا، ثم الجدية والصدق في تناول المواضيع، فلم يضع أمة إلا الزيف، والخوف من الحقيقة، وطمس الواقع بجُمـَلٍ زاهية سريعة التبخر، الطريقة التي تعجب كل من يريد لنا الرجوع إلى الوراء، وخبوء لمعان اسمنا في الساحات العالمية، لأنها الطريق المؤكد نحو الفشل.
الدرس الأول الذي أتمنى أن نفهمه ونستوعبه ونقبله، أن لنا إخفاقاتنا، ولنا تجارب فاشلة أو هي قد أثبتت فشلا، وأن لنا نجاحاتنا أيضا، ولنا تجارب ناجحة أو قد نجحت.. ومن يصنع النجاح سيتغلب على الفشل، كما أن من يحقق الفشل يستطيع أن يسحق النجاح.. أليس كذلك؟ إذن لا مشكلة، أو إنها مشكلة بحلول واضحة. أما أول الحلول فهو أن نشد على يد من يتهمنا بالفشل. ما يضرنا لو أعدنا تقييم أنفسنا وأعمالنا.. مرة ومرتين وثلاثا.. ومرات؟ لن يضرنا أبدا، وسيزيد من تراكم التجربة وثراء الخبرة.. والمهم، حسن توظيف الطاقة.
وألا نقع في حمأةٍ أخرى: مستنقع التشاؤم واليأس. وبما أن حالة النكران لا تنفع، فإن التشاؤم واليأس هما المرضان الصعبان اللذان يتسللان إلى نخاع الأمة فتـُشـَلّ أهم مصادر الطاقة. إن من التفاؤل والبِشر والحنكة والحكمة أن نحدد بالضبط أين نقف، وأن نتعرف بالتحديد على مناطق ضعفنا، وبعد أن نعترف بها يمكن أن نحدد معالم الطريق من خلال زجاج صاف من غير أي عتمة. إن الوصول إلى القمة هو أن تنظر إلى أعلى وهو التفاؤل مع الهمة والقوة واستخدام الأدوات الصحيحة. إن التشاؤم واليأس أن تنظر إلى تحت، يرهبك العمق السحيق، وتشل رقبتك للتطلع إلى فوق، فتبقى معلقا بين الخوف والشلل.
إذن لن نستمد قوتنا إلا من بيننا، وبتساندنا، وتصارحنا، وتبادل الرأي ضمن مؤسسات صحيحة بإجراءات عملية صحيحة، وليس بالمشاحنة والنقد العاصف مقابل الغضب الساطع. ردم الهوة بين المسؤول والمواطن لا يمكن أن تكون بالشجب والغضب، ولكن بتبادل الثقة، واحترام ذكاء العامة. أرى القوائم والتصنيفات العالمية ضدنا مناسبة ممتازة كي تتحد عقولنا مع قلوبنا، جهودنا مع صدقنا، ونتعرف على نقاط ضعنا التي طالت وتكررت.. وننفض السجادة من جديد.. ونرسم المستقبل بحماسة فريق صاعدي الجبال الذين تتحدد مصائرهم، بعد الاتكال على الله، على كل عضو في الفريق.
إذاً لست خائفا من أي تصنيف ولست غاضبا.. ولن أنتقص من نفسي ولا أمتي.. ولكني أتلمس الفخر من جديد.. ولا أنام عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي