نقطة ضعف إيران البنزين
لعب النفط دوراً كبيراً في تحديد مستقبل الدول النفطية، خاصة إيران التي مرت بسلسلة من المنعطفات التاريخية، ارتبطت جميعها بالنفط. لذلك ليس مستغرباً أن يحدد النفط ومشتقاته منعطفاً جديداً في تاريخ إيران، سواء كان الأمر يتعلق بصادرات النفط الخام أو بواردات المشتقات النفطية، خاصة البنزين. فمنعطف إيران المقبل لن يتحدد فيما إذا قامت الولايات المتحدة أو أحد حلفائها بضرب المفاعلات الإيرانية، وإنما سيتحدد بمصير صادرات النفط الإيرانية أو بواردات البنزين، أو بكليهما معاً. سيقف الشعب الإيراني وراء حكومته إذا تمت مهاجمة إيران، ولكن الشعب سيقف ضد الحكومة إذا فشلت الحكومة في الحصول على إيرادات نفطية كافية لتأمين احتياجات الشعب، أو فشلت في الحصول على كميات كافية من البنزين كي تستمر الحركة في الاقتصاد الإيراني.
سلاح النفط
قرار استخدام سلاح النفط من قبل إيران لن يحدد مستقبلها فقط، وإنما مستقبل المنطقة ككل. فاستخدام سلاح النفط سيجعل الدول المستهلكة تتحد ضد الدول المنتجة، وسينعش فكرة "أمن الطاقة" في الدول المستهلكة، وسيجبر حكومات هذه الدول على اتخاذ إجراءات صارمة لتخفيف الاعتماد على واردات النفط كما حدث في السبعينيات بعد المقاطعة النفطية عام 1973 ثم الثورة الإيرانية عام 1979. سترافق ذلك حملة إعلامية ضخمة، ليس ضد إيران فقط، وإنما ضد الدول المنتجة، وسيفتح الجرح القديم، جرح المقاطعة النفطية عام 1973. في الوقت نفسه سيتم استخدام الاحتياطي الاستراتيجي. إن مجرد الإعلان عن المقاطعة سيؤذي الدول العربية وسيكلفها مئات المليارات من الدولارات خلال السنوات المقبلة. من هذا المنطلق فإن على دول "أوبك" أن تعمل على إقناع الحكومة الإيرانية بعدم استخدام سلاح النفط مهما كانت الظروف.
هناك أسباب سياسية واقتصادية تمنع إيران من استخدام سلاح النفط. هذه الأسباب تتضمن احتمال وقف صادرات البنزين إلى إيران إذا توقفت إيران عن تصدير النفط. حتى لو لم تتوقف هذه الدول عن تصدير البنزين لإيران فإن تخفيض أو وقف صادرات النفط سيحرم إيران من الأموال التي تحتاج إليها لشراء البنزين ودعم أسعاره، والتي تصل إلى 15 مليار دولار سنوياً.
أزمة البنزين
على الرغم من أن إيران ثاني أكبر مصدر للنفط ضمن دول "أوبك" بعد السعودية، إلا أنها من أكبر مستوردي البنزين في العالم حيث تستورد نحو 40 في المائة من استهلاكها المحلي. لم تستطع الحكومة الإيرانية كبح جماح الزيادة في الواردات في السنوات الأخيرة بسبب انخفاض أسعار البنزين الناتج عن الدعم الحكومي الكبير لهذه المادة الحيوية، وانتشار السيارات بشكل لم تشهده إيران من قبل، خاصة السيارات المصنوعة محلياً والمشهورة باستهلاكها الضخم للبنزين.
ستعاني إيران أزمة بنزين خانقة إذا تم تشديد عقوبات مجلس الأمن الدولي بحيث تشمل هذه العقوبات منع تصدير البنزين إلى إيران، أو إذا قامت الولايات المتحدة بالضغط على الدول المصدرة للبنزين بوقف صادراتها لإيران، أو في حالة شن هجوم أمريكي على إيران.
كل الحلول طويلة المدى
الحل هو رفع أسعار البنزين للحد من النمو الكبير في الطلب عليه أو ترشيد الاستهلاك عن طريق البطاقات الذكية وغيرها. قد يكون هذا الحل مقبولا اقتصادياً، ولكنه غير مقبول سياسياً. أي رفع للأسعار أو أي ترشيد للاستهلاك سينعكس سلبياً على شعبية الحكومة الحالية وسينتج عنه مظاهرات وأعمال شغب في عدد من المدن الإيرانية، لهذا تراجعت الحكومة عن رفع أسعار البنزين كما كان مقرراً، كما تراجعت عن ترشيد الاستهلاك أكثر من مرة. إن استمرار الدعم بهذا الشكل يؤدي إلى استمرار الطلب بالارتفاع بمعدلات عالية، وإلى زيادة الهدر وانخفاض الكفاءة في الاستهلاك. ولعل أهم نتائج هذه السياسة الحكومية هو استمرار تهريب البنزين إلى الدول المجاورة حيث يباع البنزين بأضعاف سعره في إيران. لقد أصبح البنزين قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة، وأسوأ توقيت لها هو أن تنفجر في وقت الهجوم الأمريكي على إيران.
إن خيارات إيران بالتعامل مع أزمة البنزين تكاد تكون معدومة، لذلك أصبح البنزين نقطة ضعفها الأساسية. من غرائب القضية الإيرانية أن هدف برنامج إيران النووي هو حل أزمة الطاقة في إيران، وهو الذي سيسبب أزمة طاقة إذا توقفت واردات البنزين. ومن غرائبها أيضاً أن الحكومة أعلنت منذ أيام أنها بحاجة إلى استثمارات تقدر بـ 15 مليار دولار في مصافيها لمقابلة الطلب المتزايد على البنزين، والأغرب أنها لا تملك هذه الأموال وتأمل أن تقوم الاستثمارات الأجنبية بهذه المشاريع. ولكن الأغرب من هذا كله هو أن الكمية المطلوبة للاستثمار لحل مشكلة البنزين نهائياً 15 مليار دولار، هي الكمية نفسها التي تدفعها الحكومة لإعانات البنزين سنوياً!
مهما يكن الأمر فإن نقطة ضعف إيران هي البنزين، وهذه المشكلة، التي قد تتحول إلى أزمة ضخمة، هي من صنع الحكومة الإيرانية التي جعلت الشعب الإيراني مدمناً على إعانات البنزين لدرجة أن هذا الإدمان قد يسهم في تقويض شعبية الحكومة الحالية، أو أكثر من ذلك. المنعطفات في تاريخ إيران الحديث حددها النفط، فهل إيران مقبلة على منعطف جديد بسبب أزمة البنزين؟
خلاصة الأمر: إذا كانت الخمر أم الخبائث، فالإعانات الحكومية أم المشكلات الاقتصادية، وإذا كان النفط سلعة عالمية، فإن أي قرار إيراني باستخدام سلاح النفط سينعكس سلبياً على الدول النفطية المجاورة.