دعوة للغياب عن العمل
جميع الأنظمة في الدنيا توضع لمصلحة العمل وتسهم في حفظ حقوق الناس من موظفين أو مستفيدين من خدمات هؤلاء الموظفين. والأنظمة دائماً في تطور وتتلافى ما يظهر فيها من سلبيات من خلال التجربة كما أن المشرعين لتلك الأنظمة يبنغي أن يتأكدوا عند وضعها أنها تدعو للحفاظ على أوقات العمل وعدم التسيب والغياب لكي تكون الأنظمة فيها من المواد والفقرات ما يشجع على التقصير في العمل والتغيب عن الدوام بالأيام والساعات فهذا للأسف أمر يدعو للاستغراب في وقت نحتاج فيه إلى كل دقيقة لإنجاز مصالح المواطنين المتراكمة في الأدراج والمتعثرة بسبب البيروقراطية والتواقيع.
الثغرات كثيرة في الأنظمة, لكن سوف أعرض عليكم اليوم مادة واحدة في لائحة الإجازات الصادرة بقرار مجلس الخدمة المدنية رقم (1/1037) وتاريخ 16/2/1426هـ والتي تم العمل بها اعتباراً من 15/5/1426هـ. في هذه المادة دعوة صريحة وتشجيع واضح للموظفين على التغيب عن العمل دون عقوبة وهذا أمر ملموس وأثبتت التجربة خلال المدة الماضية أن هذه المادة تدعو الموظفين إلى عدم المحافظة على العمل. المادة موضوعنا اليوم هي المادة السابعة والعشرون من لائحة الإجازات التي تسمح للموظف بالغياب عن العمل وتجيز لرئيسه المباشر الحسم من الإجازات العادية للموظف الغائب مدة غيابه فقط وكذا مدة تأخره أو خروجه من العمل. وهذا طبعاً شجع العديد من الموظفين على التغيب عن العمل في ظل تساهل كبير من رؤساء الأقسام الذين وجدوا في هذه المادة فرصة لهم أيضا للغياب فضاعت الطاسة وبقيت المكاتب بلا موظفين وتعطلت مصالح الناس. هذه المادة خلال مدة التجربة الماضية نحو سنة ونصف أسهمت بشكل كبير في استنزاف إجازات الموظفين لكنها لم تسهم في المحافظة على العمل لأن الناس لا يشعرون إلا بما يمس مصدر رزقهم وهو الحسم من الراتب عند الغياب كأن لائحة الإجازات المرضية لا تكفي. حيث التقارير الطبية متاحة من كل حدب وصوب من الوحدات الصحية المدرسية إلى المراكز الصحية إلى المستشفيات العامة والخاصة. لتأتي هذه المادة كحافز قوي لبعض الموظفين ليحضروا ويتغيبوا كما يريدون مادام الراتب لن يصيبه مكروه. لقد تفشى الغياب بشكل كبير في المصالح الحكومية بتشجيع واضح من هذه المادة. الحقيقة هذه المادة ألقت عبئاً ثقيلاً على إدارات شؤون الموظفين في الإدارات الحكومية فأصبحت لا شغل لها سوى إصدار قرارات حسم من الإجازة العادية باليوم واليومين وأكثر ووجد فيها الموظفون مخرجاً سهلاً وباباً مشرعاً للغياب عن العمل دون شعور بعقاب رادع. من منطلق الشعور بالمسؤولية أرى أن هذه المادة لا تصلح للبقاء خاصة في هذا الزمن الذي تحتاج فيه البلاد والعباد لكل ساعة عمل وكذا تعويد الناس على النظام والالتزام والشعور بالمسؤولية لكي نستطيع أن نواكب تقدم الأمم والنهوض ببلادنا التي نأمل أن تخطو نحو الرقي بدلاً من الركون لمواد في أنظمة تدعو للغياب وعدم الالتزام وتشرع الأبواب للمتهاونين ولمن يتصيدون نقاط الضعف في الأنظمة ويجدون فيها مجالاً للإهمال والتسيب.