مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام .. انطباعات وتأملات أولية

[email protected]

تلقى أبناء المجتمع السعودي ما تناقلته وسائل الإعلام بخصوص إقرار مجلس الوزراء مشروع المليك المفدى لتطوير التعليم العام ببالغ الفرح والسرور، واستبشر التربويون والتربويات والطلاب والطالبات وسائر المنتمين إلى القطاع التربوي بهذه المكرمة الملكية الجديدة التي تمثل منعطفاً بارزاً في المسيرة التعليمية المباركة لهذا الوطن المعطاء، وإضافة جديدة لرصيد العطاءات المتجدد من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله.
وقبل أن أتناول بالحديث انطباعاتي وتأملاتي الأولية، لا بد من الاعتراف بالقصور لأنه لم تتح لي الفرصة بعد للاطلاع على تفاصيل هذا المشروع من كثب، بل هي مشاركة متواضعة حاولت استنباطها من ثنايا الملامح الأساسية للمشروع، تندرج في إطار أسلوب العصف الذهني، ولعل ما يشفع لي في هذا القصور هو ضخامة الحدث وعظم المناسبة. لأن هذا المشروع لا يمكن وصفه إلا بأنه حدث تاريخي ومناسبة كبرى لهذا القطاع الحيوي الذي يمثل القلب النابض لسائر جوانب التنمية الشاملة. ولعل من المناسب أن أورد هذه الانطباعات والتأملات بشكل موجز وفقاً لما يلي:
1 ـ من الواضح أن المشروع الضخم الذي خصص له تسعة مليارات ريال سعودي يشكل نقلة نوعية في أسلوب التطوير التربوي بحيث يتم فيه التركيز على المنهج الاستراتيجي المؤسسي الشمولي، ومن هذا المنطلق أتمنى على إخواني وزملائي في قطاع التربية والتعليم، الكف عن إطلاق المبادرات التطويرية الجزئية التي يمكن وصفها في معظم الأحيان بالفقاعات التطويرية، حيث إنه على الرغم من قناعتي التامة بوجاهة بعضها من حيث المبدأ إلا أنها في تقديري لا تمثل أولوية قصوى في الملف التطويري للتربية والتعليم، أو أنها تفتقر إلى المتطلبات الأساسية لضمان نجاحها، واستذكر في هذا المقام ما صدر أخيرا بخصوص لامركزية امتحان الثانوية العامة، أو قرار الترفيع إلى مرحلة دراسية أعلى للطلاب المتميزين.
2 ـ هنالك بعض القضايا المفصلية لتطوير التعليم العام، لعل من أهمها، تحديث السياسات التعليمية في ضوء الثوابت الدينية والوطنية وربطها بالميدان التربوي، وإعادة الهيكلة والتطوير التنظيمي لمستويات الإدارة التربوية التي تشمل الجهاز المركزي (الوزارة) ويمثل المستوى الاستراتيجي، والإدارات التعليمية التي تمثل المستوى التكتيكي، والإدارة المدرسية التي تمثل المستوى التنفيذي، وتبدو الحاجة ماسة إلى غربلة الصلاحيات والمسؤوليات والمهام ومن ثم تصنيفها وإعادة توزيعها بما يتناسب مع كل من هذه المستويات الثلاثة. فعلى الرغم من أن مشروع الملك عبد الله يركز على القضايا الأساسية للإصلاح أو التطوير المدرسي وهو بلا شك مدخل تطويري متميز، بوصف أن المدرسة هي النواة الأساسية للنظام التعليمي، إلا أن عدم إخضاع المنظومة الكاملة للنظام التعليمي للتطوير قد يؤثر على كفاءة المشروع ويقلل من النتائج المرجوة منه. وحيث إن ما سبق مجرد تكهنات يعتريها نقص الاطلاع بالوثائق الكاملة للمشروع، فإنني أتمنى أن يكون المشروع قد أحاط بهذا الجانب المهم، وفي اعتقادي أن الموقع المناسب لتضمين هذه القضايا هو برنامج "البيئة التربوية".
3 ـ تميز المشروع بتنظيم إداري رفيع المستوى، سواء على مستوى اللجنة العليا التي يرأسها سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ـ حفظه الله، أو مستوى اللجنة التنفيذية التي يرأسها سمو نائب وزير التربية والتعليم، إضافة إلى المتابعة المستمرة من خلال التقارير الدورية عن سير العمل، وتكوين مقاييس ومعايير لقياس كفاءة العملية التعليمية، وفي هذا المقام أتمنى أن تركز هذه المعايير والمقاييس على جوانب النواتج "التعليمية" ولا تقتصر على جوانب المدخلات أو المتطلبات التعليمية، وأن تركز على البعد النوعي بدلاً من البعد الكمي. وبمعنى آخر لا نريد لهذه المعايير أو المقاييس أن تعتمد في تصميمها فقط على حصر عدد الدورات التدريبية التي أعطيت للمعلمين والمعلمات، أو عدد التجهيزات التي سخرت للمعلم والطالب، أو عدد الأنشطة اللا صفية ومجالاتها، لكن المهم في هذه المعايير أن تقيس بأسلوب مباشر كلما أمكن ذلك, القيم والمعارف والمهارات التي تم إكسابها لطلاب وطالبات التعليم العام وتأثيراتها على واقع ممارساتهم وسلوكياتهم وأنماطهم الحياتية على المستوى الأسري والمجتمعي والمهني أو الوظيفي والوطني.
4 ـ لفت انتباهي في المشروع تحديد المدة الزمنية لتنفيذه بست سنوات، وبعملية حسابية بسيطة فإن عام 1433هـ، هو العام الذي سوف تستكمل فيه مراحل المشروع، وفي عام 1445هـ ستكون ـ بإذن الله ـ تخريج الدفعة الأولى من الطلاب والطالبات الذين أتموا جميع مراحل تعليمهم الأساسي والثانوي في ظل الإمكانات المادية والبشرية التي يتيحها هذا المشروع الوطني, الأمر الذي قد يتطلب معه تنفيذ دراسة طولية لتحديد نواتج المشروع بأسلوب علمي رصين.
إن مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام يمكن اختزاله في كلمات بأنه: رؤية مستقبلية ثاقبة لتنمية إنسانية مستدامة، ترعاها قيادة كريمة ويديرها مجموعة من الأبناء المخلصين الأوفياء رجالاً ونساءً، تبعث على الأمل والتفاؤل والاطمئنان إلى مستقبل تربوي واعد لأجيال هذا الوطن الغالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي