الوفاء من مظاهر الإيمان ودليل على الصبر ومقاومة الطمع والغدر

الوفاء من مظاهر الإيمان ودليل على الصبر ومقاومة الطمع والغدر

في الحلقة السابقة انتهينا من الحديث عن (قوة الإرادة)، وقد وعدت القراء الكرام أن تكون هذه الحلقة الأخيرة من المكارم عن (الوفاء) فإليكم التفصيل:
أهمية وتعريف (الوفاء)
الوفاء كلمة جميلة كريمة تفوح بالشرف والشيمة والالتزام بالواجب وإعطاء كل ذي حق حقه، وقد اعتز العرب بالوفاء واعتبروه من شيمهم وحاربوا وهجوا الغدر والخيانة والنقص، وجاء الإسلام فأكد الوفاء واعتبره من مكارم الأخلاق الذي يأمر به الله تعالى، والوفاء من أهم مكارم الأخلاق لأن الوفاء يدل على الإكمال والتمام وضد الوفاء الغدر والنقص، ومن علامات الوفاء إكمال الشرط وإتمام العهد، والإنسان الوفي هو الذي بلغ التمام من كل شيء ويقال (درهم وَافِ وكَيلُ وَافِ) وقال تعالى (وأوُفوا اَلكيْل إَذا كِْلِتُم) سورة الإسراء (35) كما قال تعالى أيضا في الحث على الوفاء والالتزام بالعهود (وَأُوفُوا بِعَهْدي أوفِ بِعَهِدُكمْ)سورة البقرة (40) وما أروع أن نكون أوفياء لا نتجاهل أصحاب الحق ولا نطمع ولا نخون ولا نغدر.
وتعريف الوفاء: (ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخُلطاء) كما قاله الجرجاني في موسوعة "نضرة النعيم" وقال الجاحظ في المصدر السابق نفسه إن الوفاء هو الصبر على ما يبذله الإنسان من نفسه ويرهنه به لسانه والخروج مما يضمنه (يقصد الالتزام بالعهد الذي قطعه على نفسه) وقال آخرون إن الوفاء يكون بالوفاء بالعهد بإتمامه وعدم نقص حِفظه، وقيل إن الوفاء أيضا هو صدق اللسان والفعل معاً.
أنواع الوفاء
من أجل الزيادة في توضيح معنى الوفاء وأهميته، يمكن تقسيم الوفاء إلى نوعين الأول الوفاء بالعهد ويشمل (الوفاء بالعقد أو الميثاق) ويعني ذلك الالتزام الكامل بما تعهد به الإنسان على نفسه بموجب عقد أو ميثاق والنوع الثاني الوفاء بالوعد وهو أن يصبر الإنسان على أداء ما يعد به الغير ويبذله من تلقاء نفسه ويرهنه به لسانه حتى ولو سبب ذلك ضرراً له.
بعض ما ورد في القرآن عن الوفاء
وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم عن الوفاء نورد ما أمكن منها، قال تعالى (.. وأوُفُوا اَلكيَل وَالَميزانَ بِالقِسّط لاَ نُكلفُ نَفساً إلا وسُعَهَا) الأنعام (152)، وقال تعالى (.. وَبَعهد الله أُوفَواَ ذلِكُم وَصّاكُم به لَعَلكّمُ تَذكّرُون) الأنعام (152)، وحث الله تعالى المسلمين على أن يكونوا أوفياء حتى وسع المشركين فقال تعالى (إلا الِذيَن عَاهَدُتم مِن اَلمُشركين ثمُ لمّ ينقصوكُم شَيَئاً وَلمّ يُظاهَِروا عَليَكُم أَحَداً فَأََتَِموا إليهم عَهّدهُم إلى مدتهم إن الله يُحبُ اَلمتُقَين) سورة التوبة (4) وقال تعالى: (يَا أّيها اَلّذين آمنُوا أَوُفُوا بِالعُقُودِ..) المائدة(1).

بعض الأحاديث التي وردت في الوفاء
كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما هو معروف، قمة في الوفاء مع كل من له صلة به حتى المشركين في الحرب والسلم وهذا ما توضحه السيرة النبوية العطرة وكذلك كان صحابته عليهم السلام، ونورد ما يسمح به المجال من أحاديثه عليه السلام عن الوفاء، عن عقبه – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) رواه البخاري ومسلم ويقصد بالفروج أهمية الالتزام والوفاء بشروط النكاح (الزواج)، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا أحدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم) رواه أحمد والطبراني، وفي هذا الحديث الشريف مجموعة مهمة من الأخلاق الكريمة، ومن أجمل ما سمعت عن مظاهر الوفاء عند الناس أنك تعرف الوفي إذا كان يحن لوطنه ويتشوق إلى إخوانه وأصدقائه، وكثرة بكائه على ما مضى من زمانه ويتذكر المعروف ويشتاق لرده ولا يتجاهل أصحاب الفضل عليه.
بعض ما قاله الشعراء عن الوفاء
قال الشاعر: ولقد وعدت وأنت أكرم واعد * لا خير في وعد بغير تمـــام
وقال آخر : انعم علىّ بما وعـــدت تكرمـاً * فالُمِطلُ يَذَهُب بهجة الإنعـام
وقال الشاعر: وميعـاد الكــريم عــليه ديــــن * فلا تزد الكريم على الســلام
يــذكــره سلامــك مــا عـلـيــه * ويغنيك السلام عن الكـــــلام

وأنشد الشاعر قائلاً : إذا قلت في شيء (نعم) فأتمه * فان نعم دين على الحر واجب
ــ فوائد ومظاهر الوفاء ــ
*الوفاء من مظاهر الإيمان، ودليل على الصبر ومقاومة الطمع والغدر * الوفاء من علامات الصدق والأمانة، * من أوفى بعهد الله تعالى بتوحيده وإخلاص العبادة له أوفى الله بعهده بتوفيقه وهدايته للطاعات والأعمال الصالحة * الوفاء صفة أساسية في بناء المجتمع الإسلامي، وإذا انعدم أو قل الوفاء انعدمت الثقة وساء التعامل وزاد التنافر والتشاحن، الإنسان الوفي يزداد سعادة ويزداد محبة.
حوار مع القراء
ما أحوجنا إلى التمسك بالوفاء حتى مع من تجاهلونا وخاصة من أصابهم منا معروف أو إحسان وأنكروا ذلك لأننا نحرص على كسب محبة الله تعالى ورضاه والاستمرار في الوفاء يعلم الجاهلين كيف يكونوا أوفياء فتلين قلوبهم.
وكلمة أخيرة للقراء الأعزاء، أشكركم كثيراً وأثمن كل الرسائل والاتصالات التي تردني منكم باستحسانكم لهذه الحلقات وأتطلع إلى أن ألتقي بكم من خلال عمود كل أسبوع بعون الله تعالى، وأعدكم أنني سأعكف بعونه تعالى على إعداد كتاب عن مكارم الأخلاق بأسلوب حديث وإخراج جميل فالوعد على الحر دين، والله يوفقنا لما يحب ويرضى ويهدينا سواء السبيل وإلى اللقاء.

عضو هيئة حقوق الإنسان *
الفريق متقاعد / عبدالعزيز بن محمد هنيدي
01470819 فاكس

الأكثر قراءة