لقد تساهل كثير من الناس في أمر المسألة من غير حاجة فتجد أهل التسول وقد انشروا في المساجد والأسواق وعلى الطرقات حيث تركوا الاكتساب وطلب الرزق وأخذوا يتطلعون إلى ما في أيدي الناس ولو لم تكن بهم حاجة أو فاقة فوقعوا في المحرم وعرضوا أنفسهم للوعيد الشديد مع ما يصيبهم من ذل وانكسار عند السؤال. وقد وقع ذلك منهم إما جهلا بحكم المسألة أو تساهلا في هذا الأمر وتكاسلا عن طلب الرزق وطمعا في الثراء السريع من طريق غير مشروع.
وقد حث الإسلام على الاكتساب والتعفف عن السؤال كما قال تعالى :"هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" وقال تعالى "وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله" وقال صلى الله عليه وسلم "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" رواه البخاري.
وقال: صلى الله عليه وسلم "لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" رواه البخاري.
وقد جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من المسألة وذمها ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم" ففي هذا الحديث الصحيح وعيد شديد لمن يسأل بغير حق في الدنيا فإنه يعاقب يوم القيامة ويأتي مفضوحا قد ذهب لحم وجهه.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر" ففي هذا الحديث دليل على أن سؤال الناس بلا حاجة من كبائر الذنوب ومن فعل ذلك فهو متوعد بالنار.
والمسألة محرمة لا تجوز إلا عند الحاجة ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحل له المسألة كما في الحديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش. ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجي من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا"
ففي الحديث يبين صلى الله عليه وسلم أن المسألة لا تحل إلا لواحد من ثلاثة:
رجل تحمل حمالة أي دينا في ذمته لإصلاح ذات البين فهو يسأل حتى يصيبها ثم يمسك ولا يسأل, ورجل آخر أصابته جائحة اجتاحت ماله كحريق أو غرق أو عدو أو غير ذلك فيسأل حتى يصيب قواما من عيش, ووالثالث رجل كان غنيا فافتقر من دون سبب ظاهر أو حاجة معلومة فهذا له أن يسأل لكن لا يعطى حتى يشهد ثلاثة من أهل العقول من قومه أو ممن يعرف حاله من العدول الثقات بأنه أصابته فائقة فيعطى بقدر ما أصابه من فقر وما سوى ذلك فهو سحت أي حرام سمي سحتا لأنه يسحت بركة المال. وغير ذلك من الحيل التي يتوصلون بها إلى أكل أموال الناس بالباطل فالواجب على الجميع الحذر من المسألة بلا حاجة شرعية ونصح أهل التسول وزجرهم عن هذا العمل المحرم وبيان الحكم الشرعي لهم وحثهم على الاكتساب وطلب الرزق الحلال وترك المسألة، امتثالا لقول الله تعالى "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"
نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه وأن يغنينا بفضله عمن سواه، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حمود بن محسن الدعجاني
إمام مسجد الصرامي في حي الشهداء في الرياض