بوفاة الدكتور حمد بن إبراهيم السلوم يوم السبت الماضي، بعد رحلة علاج طويلة بين مستشفات أمريكا، وبلاده أغلقت نافذتان من نوافذ قطاعي التربية والتعليم والإدارة في السعودية، واللتان طالما أطل منهما الملايين من الدارسين والمتدربين في البلاد خلال نصف قرن, ليتسنم العديد منهم مناصب في الدولة ويشاركوا في إدارة دفة التنمية فيها.
أحب الراحل التعليم لدرجة العشق، وحتى بعد تقاعده من العمل أنشأ مدرسة ثانوية خاصة أدخل في مناهجها رؤيته التربوية استفادة من تجربة ثرية ابتداء من دراسته في الكتاتيب في مسقط رأسه ضرماء وانتهاء بحصوله على درجة الدكتوراه في الإدارة التربوية من أمريكا وإدارته العديد من القطاعات، كان آخرها إدارته معهد الإدارة العامة في الرياض.
ترك حمد السلوم بصمات واضحة في الأعمال التي أوكلت إليه وكانت له إسهامات لافتة منذ بدأ رحلته مع التربية والتعليم معلما، فمديرا فمسؤولا كبيرا في وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليا) فملحقا تعليميا لبلاده في واشنطن، إلى أن أصبح مديرا لمعهد الإدارة العامة، وسجل تجاربه وخبراته في مؤلفات اعتبرت مراجع للمهتمين بأمور التربية والتعليم والإدارة.
وإذ نجح الراحل في وضع اسمه كإحدى الفعاليات التربوية السعودية المهمة وكاتب وتربوي مرموق إلا أنه اعترف في حديثه لأحد المواقع الإلكترونية الشهيرة قبل سنوات بأنه, وكمعظم المثقفين, فشل في المجال المالي واكتفى براتب الوظيفة، ولم يستغل ظرف الطفرة كغيره، ولولا بعض الأصدقاء الذين أشركوه ـ رغما عنه ـ في بعض المشاريع لخرج من الوظيفة مدينا، ولجازت عليه الصدقة كما يقول، ورغم محاولاته الدخول في مجال الأعمال الخاصة بعد التقاعد، إلا أنه فشل، لأنه لا يجيد التعامل مع الأرقام والحسابات كما اعترف الراحل بأنه أهمل واجباته تجاه كبار السن من الأقارب والمعارف,، كما اعترف بفشل اجتماعي حيث لا يجيد مبادرة الغرباء بالحديث مما أفشله في كسب صداقات جديدة!
سجل للدكتور حمد السلوم إسهاماته المميزة ومبادراته اللافتة في اختيار المعلمين ومديري المدارس عندما كان مديرا للتعليم في منطقة الرياض فيما يمكن تسميته بالحقبة الذهبية للتعليم في العاصمة، حيث ساهم بالنهوض في مدارس المنطقة، كما ترك سمعة طيبة بين أوساط المربين، وعني بشكل لافت بالطلاب المبتعثين إبان مسؤوليته عن الملحقية التعليمية في الولايات المتحدة. كما اهتم اهتماما واضحا بالتعليم الأهلي حتى بعد تقاعده، حيث أنشأ مدرسة خاصة أشرف عليها إشرافا مباشرا وطرح فيها تجربته الطويلة مع التعليم والتربية والإدارة.
ولا يزال طلاب ثانوية اليمامة التي خرجت العديد منهم وأصبح لهم شأو في البلاد يذكرون حمد السلوم عندما كان مديرا للمدرسة التي كانت أشبه بجامعة، فقد كان جادا في عمله، لطيفا في معشره، محبا لطلابه, ووجدوا فيه أبا حانيا ومديرا مخلصا، وهكذا أصبح ديدنه عندما تولى إدارة التعليم في منطقة الرياض، ثم وكيلا لوزارة المعارف لشؤون الطلاب، ثم ملحقا تعليميا في واشنطن، ثم مديرا لمعهد الإدارة، إلى أن أحيل إلى التقاعد بعد سنوات طويلة عمل فيها بجد وإخلاص ليتجه لخدمة التعليم الأهلي ويفتتح مدرسة ثانوية، ليفاجأ بالمرض الخبيث ويصبح طريح الفراش ويتنقل بحثا عن العلاج في مستشفيات المملكة وأمريكا، لينتهي ركضه الطويل ويوارى في الثرى في مقبرة أم الحمام يوم السبت الماضي.
وإذا كان تاريخ التعليم في البلاد يلمع في ثناياه أشخاص لهم مبادرات لافتة في دفع عجلته خلال العقود الخمسة الماضية فإن الراحل السلوم يأتي في قائمة هؤلاء الأشخاص، ولعل هناك توافقا في سيرة هؤلاء الأشخاص في خدمة مسيرة التعليم.
وإذا كان سعد أبو معطي ترك سيرة عطرة بعد أن بذل الغالي والنفيس في سبيل خدمة التعليم والتربية في البلاد وسجل اسمه كأحد صناع تاريخ التعليم فيه، فإن حمد السلوم هو الآخر سيظل اسمه محفورا في ذاكرة التعليم والإدارة، وتحضرني الآن كلمة للراحل الدكتور السلوم في زميله أبو معطي الذي رحل عن الدنيا قبله بـ 15 عاما وقال فيها: "عرفتُ سعد أبو معطي عن قرب على الرغم من أنني لم أعمل معه مباشرة، ولكن صلة عمل قوية ربطت بيننا لسنوات عديدة، لقد ظهرت لي كما ظهرت لغيري من خلال هذه الصلة إنسانيته ورقته ورهافة إحساسه وترفعه عن الصغائر وعزة نفسه وصفاء سريرته, لا مكان للحقد ولا للغيرة أو النميمة لديه، هذا إلى جانب شدته وصرامته وعدم مجاملته لأي مخلوق كائنا من كان على حساب العمل".
ويضيف: لقد كان سعد أبو معطي نموذجا نادرا من حيث الالتزام بواجبات الوظيفة وأخلاقياتها، ومن حيث تطبيق الأنظمة واللوائح، لقد كان اهتمامه منصبا على العمل وحده ولا شيء غير العمل، فقد أعطى له كل حياته وتفانى في أدائه حتى على حساب ذاته وصحته وأسرته وشاعريته التي كنا نعرفه بها ونعرفها فيه".
لعل هناك عوامل مشتركة بين الراحلين في ثنايا ما قاله السلوم عن زميله أبو معطي.