النظام الدراسي في جامعاتنا: نحو صيغة معدلة

شهدت معظم جامعاتنا على وجه الخصوص ومؤسسات التعليم العالي على وجه العموم تقلبات في النظام الدراسي المعتمد فيها يمكن حصرها بشكل أساسي في نظامين أولهما "النظام الفصلي"، وثانيهما "نظام الساعات المعتمدة ". ولسنا بصدد إجراء مقارنة لأوجه التقارب والاختلاف بين النظامين فلكل منهما إيجابياته وسلبياته ولكل منهما أنصاره ومؤيدوه التي قد تقود بعض المتحمسين لأي الفريقين، أن يصف النظام الفصلي أنه تقليد جامعي يعبر عن الأصالة وأن يصف الفريق الآخر نظام الساعات المعتمدة بأنه نظام ضارب في الأصالة لأنه الأسلوب الدراسي الذي كان معتمداً في حلقات التدريس في أروقه المساجد إبان العصر الزاهي للحضارة الإسلامية.
ومع تقديرنا التام لوجهة نظر كلا الطرفين، إلا أن قضية النظام الدراسي للجامعات ومؤسسات التعليم العالي ينبغي معالجتها في إطار التحليل الاستراتيجي الذي يأخذ بعين الاعتبار جوانب القوة والضعف والفرص والتهديدات ومتطلبات البيئة الداخلية والخارجية المحيطة بمؤسسات التعليم العالي. من هذا المنطلق فإن التركيز لا ينبغي أن يكون على أي النظامين أفضل بين الآخر نصفة مطلقة، بل الأجدى هو تسليط الضوء ومحاولة التعرف على صيغة النظام الدراسي الذي يكون أكثر ملاءمة لمتطلبات وطموحات الوضع الحالي والمستقبلي للجامعات ومؤسسات التعليم العالي كافة.
وفي ظل التوجه الجديد بزيادة أعداد الجامعات والكليات ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والأهلية في شتى أنحاء المملكة، تصبح قضية القبول والاستيعاب أقل حدة وقد تتراجع حدتها في المنظور القريب وتتلاشى في المنظور البعيد، وتتضاءل وفقاً لذلك، الميزة النسبية للنظام الفصلي الذي يتيح للجامعات ومؤسسات التعليم العالي قدرة عالية في القبول والطاقة والاستيعابية.
ونظراً للحراك المجتمعي الذي تشهده المملكة من خلال تزايد معدلات الهجرة الداخلية بين المناطق والمدن، والتغيير الملحوظ في النمط المعيشي والحياتي لأفراد المجتمع لاسيما شريحة الشباب الذي قد تضطره ظروفه للجمع أو المراوحة بين العمل والتعلم وفي ضوء التقلبات السريعة لمتطلبات واحتياجات سوق العمل فإن نظام الساعات يتيح قدراً عالياً من "المرونة" يمكن الطلاب من حرية الاختيار في استكمال المقررات الدراسية للبرنامج الأكاديمي الذي يرغب في الالتحاق به وفقاً لقدراته وميوله وظروف حياته الشخصية والأسرية إذ يتيح له بشكل أكثر كفاءة وفاعلية فرص التحويل والانتقال وتغيير المسارات والتخصصات الأكاديمية داخل الجامعة أو بين الجامعات على وجه الخصوص أو مع بقية مؤسسات التعليم العالي على وجه العموم لا سيما في خضم ما تشهده المملكة من تنوع وتعدد في أنماط مؤسسات التعليم العالي.
وفي إطار التعاون والتنسيق الأكاديمي المشترك سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي لاسيما ما يتعلق بمجال "التبادل الطلابي" تبرز أولوية تبني نظام الساعات الذي يمثل قاسماً مشتركاً لمعظم مؤسسات التعليم العالي على المستوى العالمي. ولعل أقرب مثال توضيحي على ذلك يكمن في قضية التبادل الطلابي بين مؤسسات التعليم العالي في دول مجلس التعاون، حيث يمثل تباين النظام الدراسي بين معظم جامعات المملكة وجامعات دول المجلس أحد أبرز العوائق التي تحول دون تفعيل التبادل الطلابي على المستوى الإقليمي وقس على ذلك صعوبات تحقيق هذا الأمر على المستوى الدولي.
وفي عصر العولمة الذي تحتدم فيه المنافسة في شتى الأصعدة ن ومؤسسات التعليم العالي ليست استثناء، تمثل الجودة الشاملة لنواتج التعليم العالي مفصلاً أساسياً لخوض غمار هذا السباق العالمي المحموم، ويصبح تبني نظام يتسم بالمرونة ومنح الطالب حرية الاختبار والاعتماد على نفسه لتخطيط برنامجه الدراسي جانباً مهماً من بناء الشخصية وتحقيق الذات والاستجابة لمبدأ الفروق الفردية.
وقي تقديري، أن نظرة فاحصة لمستجدات المرحلة الحالية والمستقبلية وانعكاساتها على مؤسسات التعليم العالي على وجه العموم والجامعات على وجه الخصوص، وبعيداً عن تشنجات وترسبات الماضي والعمل على تفنيد بعض السلبيات التي صاحبت تطبيق نظام الساعات لا سيما ما يتعلق منها بشأن الطالبات، وإيجاد الحلول الناجعة لها.
في ضوء ما سبق، لابد من الاعتراف أن نظام الساعات أكثر ملاءمة مع عصر المتغيرات المتلاحقة وزمن التغيرات السريعة، كما أن المرونة لنظام الساعات وقدرته الفائقة على استيعاب تحديات الجودة الشاملة والمنافسة العالمية يجعله أكثر استجابة لمتطلبات وتحديات وعناصر البيئة الداخلية والخارجية لمؤسسات التعليم العالي.
أخيراً، لابد من التأكيد على أن نظام الساعات بصورته الحالية هو ربيب مجتمع الاقتصاد الرأسمالي، لذا فإن تطبيقه دون مواءمته وتعديله للبيئة السعودية، تترتب عليه تكلفة واقتصادية واجتماعية إضافية غير مبررة فعلى سبيل المثال، تتضح التكلفة الاقتصادية المضافة لو علمنا أن حرية الطالب في الاختيار وفقاً لنظام الساعات في تلك المجتمعات ليست مطلقة، بل مقيدة بما يتوجب عليه من دفع رسوم دراسية تتزايد أو تتناقص مع عدد المقررات التي يختار التسجيل فيها، أما على الصعيد الاجتماعي، فإن ما يبدو من فراغات في الجداول الدراسية للطلاب وفقاً لتجربة تطبيق نظام الساعات في البيئة السعودية، يمثل ميزة في تلك المجتمعات يتم استغلالها في الاستمتاع بالأنشطة المتعددة التي توفرها الجامعة وتمثل جانباً مهماً من صقل شخصية الطالب الجامعي، إضافة إلى استغلال تلك الفراغات في التوظيف الجزئي لطلبة الجامعة.
ومن هنا تبرز الحاجة ماسة إلى صيغة معدلة ومنقحة لنظام الساعات تتواءم مع طبيعة وظروف وإمكانات جامعاتنا ومؤسسات التعليم العالي كافة من جهة وخصائص المجتمع السعودي أو البيئة السعودية من جهة أخرى .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي