حقوق الاتصال في عصر المعلومات (1)

[email protected]

عندما نشرت ماري ولستونكرافت Mary Wollstonecraft كتابها المسمى دفاع عن حقوق المرأة Vindication of the Rights of Women في عام 1792، كانت إلى حد كبير جدا صوتا وحيدا ومعزولا، لم يتجاوز تأثيره تبادل للآراء ونقاشا جماعيا ورفض من قبل المجتمع ذلك الوقت ومع ذلك كان هذا ضروريا من أجل التوصل إلى صياغة واضحة لمطالب المرأة.
ولم يمكن للمرأة أن تبدأ في تنفيذ مطالبها إلا في القرن العشرين، حين استطاعت أن تكون واحدة من أقوى الحركات الاجتماعية العاملة من أجل تأسيس الحقوق في ذلك القرن. وهناك مجموعات أخرى من الناس جرى حرمانهم هم أيضا من الاستفادة الكاملة من الحقوق نتيجة لإقصائهم على نحو أو آخر من تبادل الأفكار الذي حدث قبل تأسيس هذه الحقوق مثل الدول المستعمرة للدول الأخرى. وكانت الحركات الاجتماعية الساعية لمعالجة هذا الوضع قد بدأت بشكل رئيسي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وهكذا، فإن اشتراك الجميع في تبادل الأفكار وصياغة مطالب جماعية أمر أساسي في تأسيس كل الحقوق. وإذا لم يمكن سماع صوت ما فإن المصالح التي يعبر عنها هذا الصوت تصيح مستبعدة.
وقد كان هذا موضع اعتبار في المرحلة الأولي لتأسيس الحقوق، وقت الثورتين الفرنسية والأمريكية، فالمادة 11 في إعلان حقوق الإنسان والمواطن، الناتج عن الثورة الفرنسية، تنص على أن :
"الاتصال الحر بين الأفكار والآراء هو أحد أهم حقوق الإنسان. ولذلك يمكن لأي مواطن أن يتحدث ويكتب وينشر بحرية، باستثناء ما يشكل إساءة لهذه الحرية في الحالات التي يقررها القانون".
وهناك حريتان مرتبطتان معا ارتباطا وثيقا بحرية الاتصال، تمت أيضا صياغتهما في ذلك الوقت، ولا ينفصمان عن الحق في الحديث الحر في سماحهما لمجموعات المجتمع بأن تكون لها القدرة على صياغة وتقديم مطالب جماعية بحقين، هما الحق في التجمع السلمي والحق في تكوين روابط هادفة لتنمية المجتمع.
وكان الحق في الاتصال وخصوصيته من أول الحقوق التي تم إقرارها وترسيخها نتيجة لحركات الديمقراطية اللبرالية في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وهو ما زال حقا أساسيا للإنسان، وخاصة الآن في عصر الاتصالات الحديثة، وهو يعتبر الاتصال عنصرا أساسيا للحياة، لحياة كل الأفراد، ومجتمعاتهم. جميع الناس مفوضون للمشاركة في التواصل، وفي صنع القرارات داخل وبين المجتمعات.
وثورة الاتصالات مرتبطة ارتباطا وثيقا بظاهرة أخرى ذات تأثير عميق في حقوق الإنسان، وهي تحول العالم نحو ما يعرف الآن بالعولمة. فالزيادة الهائلة في تدفق رؤوس الأموال عبر حدود الدول تتضاعف سرعتها منذ بدأت في أواخر سبعينيات القرن الماضي. وقد ساعد كثيرا في هذا الاتجاه نمو سياسات الليبرالية الجديدة منذ ثمانينيات ذلك القرن. إنها سياسات تستهدف إزالة القيود على تدفق رؤوس الأموال حول العالم، وهو ما أصبح في النهاية ممكنا نتيجة للنمو الهائل في تكنولوجيا الكمبيوتر، بالتزامن مع تقدم متسارع في عالم الاتصال عن بعد والنقل. لقد تسبب ذلك في تقليص للوقت والمسافات جعل من عولمة العمليات الإنتاجية أمرا ممكنا, وعولمة الأفكار والآراء وحتى الحياة الشخصية لمن يرغب في ذلك.
وأهمية حقوق الاتصال تنبع من الحق في تبادل الأفكار وصياغة مطالب جماعية، والذي دائما ما كان ركيزة مهمة في تأسيس وحماية الحقوق كافة، وفي الحقيقة، فإن حقوق التجمع السلمي والاشتراك في روابط هادفة، وهي الحقوق ذات الأهمية الكبيرة في تأسيس الحقوق الأخرى كافة داخل الدول، تحتاج الآن إلى تحقيق اتصال جماعي ضخم وتنظيم من على بعد. وفي الوقت ذاته، تحتاج حقوق الحديث الحر وخصوصية الاتصال إلى تأسيس جهة لها للدفاع عنها داخل أشكال الاتصال الجديدة العالمية.
وخاصةً بعد نتائج أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 وجرى اتخاذ عدد من الإجراءات باسم "الحرب ضد الإرهاب"، وهي التي تمكن الحكومات من رصد المكاتبات الخاصة بالأفراد والحركة الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية مما يعتبر تعديا على الحقوق الأساسية للإنسان.
إن الدفاع عن حقوق الإنسان ونشرها مهمة تتطلب اليوم إيجاد واستخدام وسائل الاتصال الجديدة في مساحات دولية عامة لا تستبعد أحدا ويمكن فيها سماع أصوات الجميع دون تمييز بسبب العرق أو الثقافة أو الجنس أو العقيدة الدينية أو أي سبب آخر. وهذا ما يجب أن يتم مع احترام الاختلاف أثناء السعي نحو تفاهمات مشتركة، فامتزاج الثقافات قد يكون مثمرا، حين لا يكون اضطهاد الواحد للآخر كذلك حين لا يتم إلغاء إحداها لمصلحة الأخرى.
ومن حق الشعوب الإسلامية والعربية الاتصال والاستفادة من ثقافات وتكنولوجيا الشعوب الأخرى على شرط عدم المساس بالهوية والثقافة الإسلامية والعربية الأصلية.
والمتاجرة بالإعلام أدى في معظم الأحيان إلى الفشل في توفير الاحتياجات الثقافية والمعلومات التي تشتمل على تعدد الآراء، اختلاف الثقافة، وهما اللغة الضرورية للديموقراطية.
وأصبح العنف الإعلامي الضخم النافذ يستقطب المجتمعات، يزيد من حدة الصراع، ويزرع الرعب وعدم الثقة، ويؤدى إلى عدم استقلالية الأفراد وتعرضهم للنقد والهجوم.
وأيضا وضع معايير تقنية هو أحد العوامل التي يمكنها أن تؤثر في حقوق الاتصال تأثيرا ضخما. فهذه المعايير يمكن أن تميز لصالح لغات وشخصيات وثقافات معينة، كما أنها قد تمكن بعض ذوي المصالح التجارية من السيطرة الكاملة على جوانب مهمة في التطور الإعلامي، فيوجهونه الوجهة التي تتمشى مع تحقيق أقصى ربح لهم.
هذا أدى إلى وجوب ظهور دستور الاتصال والذي يعرف حقوق التواصل والمسؤوليات لملاحظتها بالقانون الدولي والدول التي تسعى إلى تطبيق الديمقراطية في مجتمعاتها، وهذا موضوع المقال التالي، إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي