حق المواطن في المعرفة اقتصاد المعرفة (4)

[email protected]

تعد الشفافية ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الحديث، فلا يمكن للحرية الاقتصادية أن تزدهر بل أن تستمر إذا لم تترادف مع شفافية كافية في جميع القطاعات وعلى كل المستويات. والدول الصناعية تعلمت عبر العقود الماضية أن للمعلومات ومعرفتها قوة وتأثير كبيرين على تكوين الرأي العام الذي يحاسب الجهات المسؤولة ويقرر مصير الوطن.
والدولة الحديثة لا يحق لها أن تحجب أي معلومة عن شعوبها مهما كانت سيئة. والدول النامية تعرف أيضا أن للمعلومة قوة مما يجعلها تحتفظ بها أحيانا لنفسها لتستعملها عند الضرورة لمصالح عامة وخاصة.
والمعلومات كثيراً ما تكون غير واضحة أو موثوقا بها، وقد يتم حجز بعضها على إنها ملكية خاصة. وغياب الشفافية له تأثير سلبي ليس فقط في الحياة السياسية وإنما الاقتصادية والاجتماعية.
والاقتصاد غير الشفاف كان له التأثير المباشر في الأزمات الاقتصادية العالمية والوطنية، والدروس من التاريخ خير مثال على ذلك.
ومن دراسة الأزمات البترولية المختلفة وأسبابها يلاحظ أنها تعود إلى عوامل مختلفة تشمل الأسباب السياسية والمعلوماتية المتمثلة في وجود معلومات غير دقيقة تؤدي إلى عدم اتخاذ أي قرار أو اتخاذ قرار خاطئ. وهذا يؤدي إلى شح أو فائض في العرض ثم ارتفاع أو انخفاض وربما مفاجأة في الأسعار.
وكذلك انهيار الاقتصاد العالمي على أثر النكسة التي عصفت بأسواق المال في نهاية عام 1987 (الإثنين الأسود) من أهم أسبابها كان عدم توافر نظم معلومات فاعلة حينها.
ونستطيع أن نلاحظ مثالا لهذه الأزمات على المستوى الوطني والمتمثلة في سوق الأسهم السعودي الذي يعاني من غياب المعلومة، وإن وجدت فلا يتم التعريف بها، وإن نشرت فيظل هناك دائماً شك في مصداقيتها وبناء قرارات رشيدة على أساسها.
وربما يتم نشر معلومات غير صحيحة تسبب اختيارا خاطئا لقرارات الاستثمار في سوق الأسهم، مما يسبب تداعي الثقة بالسوق.
وعلى مستوى جذب الاستثمار الأجنبي لدخول السوق المحلي، نجد أن الكثير من المستثمرين يفضلون توظيف أموالهم في الدول الصناعية الكبرى بالرغم من العائدات المنخفضة خوفاً من مفاجأة الأسواق النامية (لعدم توافر المعلومات الصحيحة والكافية) لاتخاذ قرار الاستثمار الصحيح.
والعالم العربي في حاجة اليوم إلى اعتماد ثقافة الشفافية في كل شيء. لم يعد مقبولاً إخفاء المعلومات أيا كانت ومن أين أتت، فالمواطن (العربي) على درجة من الوعي تسمح له بتفهم الواقع والتصرف.
المحافظة على المعلومة أصبح من جهل الماضي ويضرّ بالمستقبل، إن أكثر ما يعرقل التطور الاقتصادي في العالم العربي التخفّي وراء الحقائق والإحصائيات بل المعلومات التي هي أصلا ملك المواطن وحق له.
والمعرفة هي جوهر التنمية البشرية، وتعتبر العامل الأول في تمكين الناس من توسيع مجالات اختياراتهم واستئصال الفقر، فالفقر يعد أكثر من مجرد نقص أو افتقار الرفاهية المادية فهو يعني أيضاً الصحة المعتلة وضعف التعليم والحرمان من المعرفة والعجز عن ممارسة الحقوق الإنسانية والسياسية وضياع الكرامة والثقة واحترام الذات.
وتقوم المعرفة بدور بارز في هذا المفهوم الأشمل للفقر، فهي توفر الأدوات والوسائل المهمة لتحسين الصحة والتعليم والحياة بشعور أفضل كمواطن مشارك في قرارات للصالح الفردي ولتنمية المجتمع.
هذه التنمية لابد أن يصاحبها اتجاه قوي نحو نشر مصادر المعرفة، وتؤكد تقارير التنمية البشرية على وجوب التصدي لفجوات المعرفة بين البلدان وداخلها ولمشاكل المعلومات التي تضعف الأسواق وتعرقل الإجراءات الحكومية علما أن هذه الفجوات هي أكثر حدّة في البلدان الأشد فقراً، وهي السبب الرئيسي في ذلك الفقر.
والمبدأ العام يقضي بأنه ينبغي للمؤسسات أن تعمل وفقاً لقدرتها النسبية وللحكومات أن تركز على المسؤوليات التي لا يحتمل أن ينهض بها القطاع الخاص.
وهو يقوم على إمكان تضييق الفجوة في المعرفة التي تزيد من النمو الاقتصادي وترفع الدخل، تقلل التردي البيئي وتحسن نوعية الحياة، وذلك عن طريق الإجراءات التالية:
- إعادة هيكلة وتجهيزات البنية التحتية.
- تفعيل دور وخدمات المرافق والإدارات الحكومية.
- تطوير القوانين والأنظمة بما يناسب تطور وتغيرات المجتمع.
- تحديث البرامج التعليمية بما يناسب التطور احتياجات العصر.
- دعم الابتكار وتسهيل الوسائل لنشر روح الإبداع في المجتمع.
- تنسيق الجهود المبذولة عالميا ومحلياً للاستفادة منها على المستوى الوطني.
- اكتساب المعرفة العالمية وإيجاد وتمكين المعرفة المحلية.
وهذه الوسائل هي بداية لتكوين ونشر فكر المعرفة والتي هي من حق كل مواطن والتي ستمكن المجتمع من الوصول إلى بداية الطريق لدخول عالم اقتصاد المعرفة فنحن مازلنا مثل المولود حديثاً نحبو على أيدينا وأرجلنا للحصول على المعرفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي