إن المتتبع لاجتماعات قمة مجلس التعاون على نحو عقد من الزمن، يلمح بكل وضوح ثبات الملف التعليمي على أجندة جدول أعمال اجتماعات المجلس الأعلى، هذا الملف الذي حظي باهتمام بالغ وعناية كبيرة من قبل أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، إيماناً منهم يحفظهم الله جميعاً بدور القطاع التعليمي في تحقيق التنمية المنشودة وتعزيز أواصر العمل المشترك بين دول المنطقة ومواطنيها على حد السواء. وفي "قمة جابر" التي عقدت في الرياض أخيرا، تضمن البيان الختامي إقرار قادة دول المجلس عددا من برامج العمل المشترك في تطوير التعليم العالي، إلا أن هذه الموافقة الكريمة اصطدمت على أرض الواقع بغياب الآلية المناسبة القادرة على تدبير الأموال اللازمة لتمويل تلك البرامج وما يتلوها من برامج مشتركة أخرى تهدف إلى إصلاح وتطوير مؤسسات التعليم العالي في دول المجلس. وباستضافة متميزة من جامعة القصيم، توجت بمقابلة صاحب السمو الملكي أمير المنطقة للمشاركين في هذا الاجتماع، حيث أبرز سموه في كلمة ترحيبية الدور الريادي للجامعات، تدارس رؤساء ومديرو الجامعات الخليجية بكل جدية وصراحة متناهية العائق المالي لتنفيذ قرارات المجلس الأعلى فيما يخص تسكين البرامج الأربعة المقترحة في الجامعات الخليجية وهي: برنامج وحدة الدراسات الاستراتيجية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وبرنامج بوابة الخليج للإعلام والاتصال في جامعة البحرين، وبرنامج المواءمة في جامعة الملك سعود، وبرنامج التنمية المهنية لأعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز. وأسفرت تلك المداولات عن حقيقة مهمة مفادها أن تفعيل العمل المشترك في مجال تطوير التعليم العالي بحاجة ماسة إلى تبني لجنة رؤساء ومديري الجامعات هيكلية تنظيمية مؤسسية تمتلك في إطارها إدارة أو رئاسة الجامعات في دول المجلس صلاحية اتخاذ القرار بالانضمام إليها وتدبير الرسوم المالية المترتبة على ذلك من خلال بنود الميزانية المخصصة لكل جامعة أو مؤسسة دون الحاجة إلى استصدار قرار من قبل سلطات أعلى؛ ويتم بموجب هذا الأسلوب التنظيمي تفعيل القرارات الصادرة من المجلس الأعلى بخصوص البرامج الأربعة على المدى القصير، والاستجابة إلى ما يستجد من قرارات أخرى في الشأن الجامعي من منظور مستقبلي. ولو استذكرنا بعض الشواهد والأمثلة، لوجدنا ما يبرر ويدعم هذا التوجه المؤسسي الذي يوفر الآلية المناسبة لتعزيز العمل المشترك في قطاع التعليم العالي في دول المجلس. فعلى صعيد العمل العربي والإسلامي المشترك يوجد كل من اتحاد الجامعات العربية والجامعات الإسلامية. وعلى صعيد العمل التجاري المشترك في دول المجلس يوجد اتحاد الغرف التجارية والصناعية وجميع هذه الهياكل المؤسسية تعتمد إلى حد كبير على أسلوب "التمويل الذاتي" في تنفيذ برامجها ومشاريعها، بالرغم من بعض أوجه القصور التي تعاني منها تلك المؤسسات لتنويع مصادرها التمويلية، خصوصاً لو تمت مقارنة تلك المؤسسات بالنموذج التمويلي المتطور للمنظمة العربية للتنمية الإدارية التي حققت من خلاله نجاحات بارزة في مجال "التمويل الذاتي". وفي اعتقادي أنه حان الوقت لإنشاء اتحاد الجامعات الخليجية يتم تمويله بشكل كبير من خلال الرسوم التي تسهم بها الجامعات الخليجية، لا سيما أن المستقبل يشير إلى تنامي أعداد مؤسسات التعليم العالي في دول المجلس. بل إن مما يستوجب قيام هذا الاتحاد، يكمن في تنامي مؤسسات التعليم العالي الأهلي في دول المجلس بحيث يكون معيار الجودة والجدارة شرطاً أساسياً لانضمام تلك المؤسسات له، إن اتحاد الجامعات الخليجية مشروع مستقبلي وإعداد لو أحسن إعداده وتنظيمه وروعي في اختيار قياداته والعاملين به مبدأي المهنية الاحترافية والكفاءة المتخصصة. وبغض النظر عن الاسم سواء اتحاد الجامعات الخليجية أو ما يماثله مثل رابطة أو مجلس الجامعات الخليجية يظل الحل الأمثل لتفعيل وتعزيز العمل المشترك بين مؤسسات التعليم العالي بدول المجلس بحاجة ماسة إلى منظومة مؤسسية تستثمر قرارات المجلس الأعلى وتترجمها إلى واقع إجرائي ملموس.
