للأسف الشديد لم يعد معظم الناس خاصة الشباب يتقبل النصح أو التوجيه ممن هو أكبر منه سنا سواء في العمل أو في المدرسة أو الجامعة أو الشارع. معظم الناس تجدهم دائما متضايقين لا يقبلون أن تُسدي لهم النصيحة أو توجههم، خاصة عندما يرتكبون أخطاء أو مخالفات ولم يعد للكبير أي احترم أو تقدير حتى أصبح الوضع أشبه بالفوضى، فالصغار والشباب لا يريدون أحدا أن ينتقدهم عندما يرتكبون الأخطاء والمخالفات ويرون أنفسهم كاملين (والكامل وجه الله). بل إنهم للأسف لا يتورعون عن الرد بأساليب وعبارات سيئة إن لم يعتدوا بالضرب على من يُسدي لهم التوجيه أو النصح، وأنا متأكد أن الكثير قد حصلت لهم الكثير من المواقف السيئة مع بعض الشباب الذين لم يتقبلوا منهم النصح، بل امتد الأمر إلى التعرض إلى الإهانة اللفظية أو الجسدية وبعدها حرّم الكثير عدم إسداء النصح والتوجيه لأحد مهما كان لأن العدوى انتقلت حتى لمن هم في سن الثلاثين والأربعين وأصبح الكثير نفوسهم في خشومهم.
لا أعلم سببا يجعل معظم الناس دائما ترى نفسها فوق النصيحة والتوجيه. أراهم في العمل شبابا لا تتعدى أعمارهم الثامنة عشرة لا يحمل سوى الكفاءة المتوسطة يرفع صوته في وجه زميله ذي الخمسين سنة أو في وجه رئيسه لا لشيء إلا لأن زميله وجهه في العمل بحكم قلة خبرة هذا الشاب، أو لأن رئيسه سأله عن سبب التأخر أو الغياب أو عن سبب عدم إنجاز العمل المطلوب منه. كنا في بداية التحاقنا بالعمل نفرح عندما نسمع النصح أو التوجيه ممن هو أكبر أو أقدم منا ولم نكن نتضايق، بل نعتبره صاحب فضل لأنه لم يفعل ذلك إلا لمصلحتنا، لكن الآن كل شاب يرى نفسه فوق النصح والتوجيه فضلا عن المُساءلة، لذلك تكوّن لدينا جيل معظمهم يريد أن يُمضي الوقت في المكتب في تقليب الجوال والتنقل بين المكاتب للسواليف مع من هم على شاكلته وينتظر بفارغ الصبر متى ينتهي الدوام، ولا يريدون أحدا أن يقول لهم أي شيء فهم الفاهمون والعارفون والكاملون.
في الشارع عندما تُبدي ملاحظتك لبعض الناس لماذا أوقفت سيارتك بشكل خاطئ، أو لماذا تتجاوز الإشارة الحمراء، أو لماذا أوقفت سيارتك على الرصيف، أو لماذا ترمي الزبالة من منزلك أو سيارتك في الشارع أو .. أو.. فسوف يرد عليك "وأنت وش دخلك" "الشارع حلال أبوك" .. "نظف الشارع إن كانه يهمك" وغيرها من العبارات مع ما يتبعها من البعض من عبارات السب والشتم، إن لم يطلق العنان لعضلاته لاستعراضها على جسمك، ولذلك أصبح العاقل من الناس يكتم النصح والتوجيه حفظا لكرامته من الإهانة ولجسمه من الضرب.
فما الذي أوصلنا إلى هذا الحد من عدم تقبل النصيحة والتوجيه؟ هل انعدام التربية في المنزل أو المدرسة التي للأسف ضاعت هيبتها وهيبة معلميها في ظل التربية الحديثة وفي ظل جيل جديد من المعلمين هم أنفسهم ليسوا قدوة صالحة لطلابهم للأسف. وهم أنفسهم ممن لا يتقبلون النصح والتوجيه من المشرفين والمسؤولين الأكبر منهم سنا والأقدم منهم.
لقد أصبحت الأمور في المدارس والمكاتب والشوارع أشبه بالفوضى نظرا لانعدام قبول الآخر فكل واحد يعمل وكأنه العالم العارف المعصوم الذي لا يُخطئ.
الوضع ينبئ بالخطر إن لم يتدارك الناس أنفسهم، ويعودا إلى رشدهم ويحترموا الكبير ويعطفوا على الصغير، وتسود بينهم روح المودة وتقبل الآخر كقدوة صالحة لهم.
