نكمل في هذه الحلقة مكرمة (علو الهمة) بعد أن أشرنا في الحلقة السابقة إلى تعريفها وعلاقتها بالطموح وأهمية طلب العلم وكيف يؤسس الإنسان ويبني شخصيته على أساس متين من التربية الإسلامية وأساسيات العلم في مجال الدين ومجال العلوم الحديثة حتى يكون سُلم درجات عالي الهمة قوية الأساس متوازنة ووسطية ثم أشرنا إلى درجات ومراتب عالي الهمة وكيف نزرع علو الهمة، وبدأنا الحديث عن فوائد علو الهمة ونكمل في هذه الحلقة ما تبقى:

فوائد علو الهمة

من أهم فوائد علو الهمة أنها يكسب الإنسان كمال الرجولة وكذلك المروءة والتي هي حلية النفوس وزينة الهمم ولا يتوصل عالي الهمة للمروءة الا بالمعاناة وقد ثبت أن المروءة هي مراعاة النفس إلى أفضل أحوالها ولا يصل للمروءة إلا عالي الهمة الذي يستهين بالصعاب والشدائد رغبة في الرفعة وحذراً من الذم والمهانة، لذا قالت العرب (سيد القوم خادمهم)

ولعل السبب في أن يستهين عالي الهمة بالمتاعب أولاً لعظمة همته التي ترفعه للتقدم وتحذره من الخمول والكسل والنقص الذي يراه عيباً، وثانياً شرف النفس الذي ينسيه ما يلاقيه من نكد وكدر في كفاحه للسمو والرقي وتحقيق الأهداف السامية.

ومن فوائد علو الهمة أيضا سعادة الدنيا والآخرة ومحبة الله تعالى والناس، وعالي الهمة يحقق المجد والسؤدد للأفراد والشعوب.

مجالات علو الهمة

ورد في كتاب (علو الهمة) للشيخ / محمد إسماعيل المقدم - حسبما ورد في موسوعة نضرة النعيم – أن لعلو الهمة خمسة مجالات وهي: طلب العلم، العبادة والاستقامة، البحث عن الحق، الدعوة إلى الله تعالى، الجهاد في سبيل الله. وسنورد هنا إيجازاً عن تلكم المجالات.

المجال الأول: طلب العلم ، وقد أشرنا لذلك في الحلقة السابقة وذكرنا أن طلب العلم هو أرقى وأسمى الميادين وهو ميدان التنافس بين الشباب بل بين الأمم وهو مفتاح التخصص في كافة الميادين، وقد ركز مؤلف الكتاب المذكور عن طلب العلم قائلاً إن طلب العلم غيرة على الوقت أن ينفق في غير فائدة وأن طالب العلم يجب أن يكون صارماً وحازماً يقضي ليله ونهاره في طلب العلم ويغوص في البحث والدراسة ولا يجزع من طول البحث ووعورة المسالك وأن طالب العلم لا يدخل في المهاترات واللغو لأنه مشغول بما هو أهم وأصلح، كما ضرب السلف الصالح أروع القصص والمثل الأعلى لطلب العلم وعلى رأسهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن العباس رضي الله عنهم، والإمامان الشافعي وابن حنبل رحمهما الله وغيرهم الكثير، وكانوا يسهرون الليالي في طلب العلم ويسافرون ويشدون رحالهم طلباً لحديث واحد من عالم معروف يرويه أو يفسره لهم أو يجيب عن أسئلتهم يتحملون الصعاب ويبذلون الغالي والرخيص في سبيل طلب العلم وهم سعداء بذلك. المجال الثاني: وجد السلف الصالح في العبادة والاستقامة علواً في الهمة فوجدوا فيهما ملاذاً لهم للقرب من الله تعالى وبعداً عن الفتن. المجال الثالث: حفل التاريخ الإسلامي بنماذج رائعة من أصحاب الهمم العالية الذين وجدوا في البحث عن الحقيقة هدفا سامياً يوصلهم إلى الدين الحق ولأنهم كانوا مخلصين لله تعالى صادقين في عزيمتهم فإن الله تعالى يهديهم إلى سواء السبيل وهي نعمة الإسلام ، المجال الرابع: من أعظم ما يهتم به الإنسان هو هداية قومة وبلوغ الجهد في النصح والإرشاد والصبر على مشاق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، لذلك كانت الدعوة لله تعالى من أعظم مجالات علو الهمة، ولا شك أن الداعية قبل أن ينطلق للجهاد في الدعوة تجده قد بذل جهداً كبيراً لطلب العلم حتى تمكن بعونه تعالى من بلوغ مرتبة الداعية، وكان قائدنا ومعلمنا الأول محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للدعوة إليه تعالى كما هو معروف. المجال الخامس: الجهاد في سبيل الله يتطلب القمة في علو الهمة لأن الجهاد يتطلب رجالاً وصفهم الله عز وجل بقوله (صَدَقُوا مَا عَاهَدوا الله عَليهَ فَمِنُهم مَنْ قَضَى نَحَبهُ وَمَنهُمْ مَنْ يَنَتَظُر وَماَ بدّلَوا تَبديلاً) الأحزاب (23) وقد ضرب المصطفى صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في هذا المجال وكذلك أصحابه رضوان الله عليهم الذين اقتدوا به عليه السلام، وما أحوجنا لفهم معنى الجهاد وشروطه وأنواعه ومتى يجب حسبما ورد في الكتاب والسنة ونطبقه حسبما أمرنا الله به.

من الآثار وبعض ما قاله العلماء في علو الهمة

لا يوجد في تاريخ الأمم من أصحاب الهمم العالية مثلما وجد في تاريخ البطولة وعلو وعظمة الهمة في تاريخ الإسلام التي سطرها السلف الصالح وخاصة النبي صلى الله عليه وسلم والتي تبرز واضحة في سيرته عليه السلام وكذا صحابته رضوان الله عليه والتابعين الذي أبلوا بلاء حسنا في المعارك الذين انتصروا فيها بأمر الله تعالى ثم بهممهم العالية وشجاعتهم النادرة, والهمة العظيمة العالية للقائد والمعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم في المعارك والغزوات التي قادها بنفسه، ومعروف عنه شجاعته عليه السلام في الحرب والسلم واتخاذ القرارات الشجاعة لمقاتلة الأعداء وظهرت شجاعته صلى الله عليه وسلم في المدينة عندما فزع أهل المدينة ذات ليلة فذهب الناس إلى مصدر الصوت فوجدوا النبي عليه السلام قد سبقهم على جواد سريع وعلى عاتقه السيف وهو يقول للناس: "لن تراعوا لن تراعوا".

هذا ونغتنم فرصة قرب حلول السنة الهجرية الجديدة لنتحدث عن (الهجرة ومكارم الأخلاق) في الحلقة المقبلة فإلى اللقاء.

* الفريق متقاعد / عبد العزيز بن محمد هنيدي

[email protected] عضو هيئة حقوق الإنسان 014708199 فاكس