تقول القصة إن طيراً كان يعيش بجانب غدير ماء، فيتغذى مما يصيبه من صغار السمك والديدان، فعاش هكذا لسنين طويلة، حتى تقدمت به السن، فهرم وأصابه عجز وجهد، فكان إذا اقترب من السمك فرت؛ فلم يستطع اقتناصها، فجلس حزيناً يفكر في مصيره؛ فبينما هو على هذه الحالة، إذ رآه سرطان يسعى في جدول الماء، فاقترب منه، فسأله: ما بالك حزين كاسف البال؟ قال مالك الحزين: ما آلت إليه حالتي من الضعف والهرم. وإنني مخبرك بخبر لن يسرك، وهو خبر حزين لنا جميعاً وما ينتظرنا، نحن من نعيش في هذا الغدير. قال السرطان: وما هو؟ قال: يا صديقي مرّ البارحة من هنا نفر من الصيادين، فنظروا المكان فقالوا: إنه مليء بالسمك والسرطانات والضفادع، وهو مناسب لنا أن نرجع إليه، فنملأ صيدنا كيفما نشتهي، فاصطدنا ما طاب لنا الصيد.
تابع مالك الحزين تأولاته الكاذبة: أيها السرطان الجميل، إنني خائف أن يحصل هذا المكروه، وأرجو أن تخبر أخواتي السمكات البريئات بهذا الخبر، فأنا مشفق على مصيرهن.
ضحك السرطان وقال: أما الخبر فهو سيئ، وأما إشفاقك على السمك فهو أمر يدعو للضحك، فكيف تحزن عليهن، وأنت تفترس كل يوم منهن رهطا بعد الرهط؟
قال الطائر وهو يهز رأسه بصدق وأسف: أعلم أنك ستقول هذا، ولكن مصيرنا أصبح مشتركاً، وأحياناً تفيد مصادقة العدو إلى حين، إذا واجها عدواً أخطر وأشد فتكاً، أو كان الخطر مؤقتاً، يدعو إلى تصالح مؤقت، وإنني أخبركم بالخبر، وأنتم أحرار ماذا تفعلون. وقديما تحالف السنور والجرذ في مواجهة شبكة الصياد فنجيا جميعا.
هرع السرطان الى السمك، فصاح: البلية .. البلية ثم أخبرهن بالكارثة المقتربة، فاجتمعن، وتحدثت الملكة عن خطط الخلاص في الوقت القادم، قال السرطان إني قرأت الصدق في وجهه. سألت الملكة: وهل يمكن أن نثق به في خبره وتعاونه؟ قال السرطان: أظن الأمر كذلك، فاقتربت الأسماك من الطير بقليل من الخوف، وهو على حاله من الهرم، فقالت: بماذا تشير علينا؟ قال: الخبر ما سمعتم، وإني لكم ناصح أمين، وقد علمت أن هناك نهراً عظيماً، قريبا من المكان، وأستطيع الطيران إليه، فلو قمنا بخطة خلاص مشترك، فأحمل ما أستطيع حمله كل يوم، فأعتلي الجو حتى إذا وصلت النهر ألقيت بكن في اللجة الآمنة، وأرى أن حمل سمكتين منكن إلى هناك سهل علي، فلا تمضي فترة إلا وأكون قد حملت معظمكن إلى شاطئ الأمان.
قالت الأسماك جزاك الله خيراً. ثم أنهن تشاورن وتعاقدن أن يبدأ تنفيذ خطة الخلاص العظمى.
ومرت الأيام والطائر يأتي على موعده فلا يخلف، وتكون قد استعدت سمكتان للطيران في منقاره.
كانت الرحلة ممتعة عظيمة لأسماك يعتلين الجو، ويسبحن في الغيوم، ولكن المفاجأة كانت في جبل قريب، لأن مالك الحزين كان قد عمل ميقاته عند الهضبة، حيث يحط، ثم يستمتع بوليمة عامرة سهلة، قد جاءت ضحاياها بظلفها إلى حتفها.
وبدأ الغدير ينضب من الأسماك، فاقترب السرطان من طائر الماء، وقال له أخشى أن تنسى صديقك القديم؛ فقد قاربت مهمتك على النفاد، فلو وضعتني في حسابك، قبل أن يفوت الأوان؛ فهلل ورحب، وقال سوف تستمتع برحلة رائعة.
ولكن السرطان لمح بعد لحظات الهضبة، وقد تحولت إلى مقبرة عامرة بضحايا الأسماك المسكينة المغرر بهن، ففكر وعرف مصيره، فخاطب مالك الحزين فقال له: اقترب بعنقك مني، فعندك لي سر أبوح به إليك، فلما مال بعنقه إليه انقض بكلابتيه على عنق العلجوم فخنقه. وهكذا مصير المغفلين والخبثاء.
