جامعاتنا تسبق الصومال وجيبوتي

[email protected]

رغم أن الدولة، حفظها الله، لم تبخل يوما على قطاع التعليم بكل فئاته من الابتدائي وحتى التعليم العالي, ومختلف قطاعات التعليم الأخرى, من مبان وتشييد وكتب ووسائل تعليمية وكل ما يتطلبه التعليم والعلم لكل فئات المجتمع, وهذا جانب مهم وهو توفير الإمكانات والبنية التحتية لقطاع التعليم في كل مناطق المملكة، وزاد الاهتمام أكثر وأكبر في عهد خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ بإنشاء مزيد من الجامعات في مناطق جديدة ومختلفة, ورغم أن الدولة تضخ ما لا يقل عن 60 مليارا سنويا لوزارة التربية والتعليم ناهيك عن وزارة التعليم العالي وبعض القطاعات من عسكرية وغيرها، لكن ما هي النتيجة على المستوى الدولي بعد أن رسخ في أذهاننا أن من يلتحق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن أو جامعة الملك سعود طلاب مميزون ولا مثيل لهم .. هذا مثال, لكن المفاجأة أن التصنيف الدولي للجامعات (حتى وإن كان عن البحوث والدراسات في الإنترنت) وضعنا بأرقام تقارب 2998 كترتيب من أصل ثلاثة آلاف جامعة إذن من بقي لم يسبقنا عدا الصومال وجيبوتي. ولأنني أحد خريجي جامعاتنا السعودية ومَن عاصر الجامعات السعودية, لا أجد غرابة كبيرة في أن نصل لهذه المستويات وأقل لو دخلت في التصنيف جامعات أكثر من أوروبا وأمريكا وشرق آسيا. والحقيقة التي يجب أن ندركها - وفي تقديري الشخصي - أن المشكلة ليست في الطلاب ولا الأساتذة, ودلالة نجاحهم أنهم يبرزون بأعلى المستويات (طلابا ومدرسين) حين يذهب للخارج, فهناك طلاب مميزون في أصعب التخصصات وأعرق الجامعات الأمريكية, وأيضا المدرسون في الجامعات فهناك مدرسون في الجامعات الأمريكية وهم سعوديون ولا أقول جنسيات عربية, إذن لا مجال لنقول المشكلة في قدرات الطلاب والمدرسين ولكن الإشكال هو في سياسة التعليم ككل, بمعنى المناهج نفسها, المواد التي تدرس, البحوث والدراسات التي تخصص في هذا الجانب, الإثراء العلمي الحقيقي, سواء ببحوث أو كتب أو في الإنترنت, هناك فقر وبخل وشح وكساد تعليمي لدينا لا مثيل له, ولا توجد حوافز لدكتور الجامعة, سواء كانت مهنية أو مالية ولهم معاناتهم, والدليل أنهم حين تتاح لهم الفرصة في القطاع الخاص هم أول الخارجين.
أعتقد أن التعليم لدينا ليس بالمال فقط ولا حجم المباني ولا بالتصريحات وإقناعنا أن جامعاتنا لا مثيل لها, يجب أن نقر أن الجامعات تعيش خارج الوضع الاقتصادي والاجتماعي والعلمي, ونلاحظ حاجة سوق العمل والبطالة في ظل وجود سبعة ملايين أجنبي, ولعل مثال الحاجة للصيدلي (الصيادلة) تقارب 60 ألفا, ولكن جامعاتنا تخرج سنويا ما لا يتجاوز 100 طالب (وقد أكون بالغت) بمعنى أننا نحتاج 600 سنة حتى نغطي الاحتياج، ويقاس على ذلك الكثير، وكأن الجامعات لدينا تخصصت في تخريج ما لا نحتاج. إذن الخلل كبير وواضح لدينا سواء علميا أو كسياسة تواكب الحاجة لدينا. ولا أنسى هنا أهمية الجودة في التعليم, حيث إن الخريج من جامعاتنا لا يستطيع أن يقارب بجامعات قريبة لدينا فلا لغة إنجليزية يعرف مبادئها وهي أساس مهم جدا في عصرنا, ولا إتقان استعمال للكمبيوترات إلا كمتصفح عادي. هناك أسس يجب أن تكون مسلمات الآن ومتوافرة في كل طالب وطالبة, ولكن أصبح همنا "الخصوصية السعودية" ولا أعرف ما معنى الخصوصية السعودية في التعليم التي لم تثمر عن شيء لنا حقيقة إلا شهادات تختم ويكتب في الأعلى "خريج" ويتجه لسوق العمل, ويفاجأ أنه يرفض فلا لغة ولا إتقان كمبيوتر ولا تطبيق عمليا لما تعلم, ويحتاج لهدم وبناء من جديد, وحتى نقتنع أن التعليم العالي لدينا يعاني الخلل الكبير وأنها جامعات تبهرك بالمباني والألقاب, أن الخريج السعودي من جامعاتنا لا يستطيع أن يجد فرصة عمل في أي بلاد غربية أو حتى عربية وفق معايير التعليم لدينا التي تفخر بالخصوصية وهي للحقيقة هدر مالي كبير تتحمله الدولة، ولكن المخرجات للأسف واضحة من التقييم الدولي وأيضا من سوق العمل الذي لا يلبي شيئا حقيقة ولن ينقلنا لمصاف الدول الصناعية أو ذات الموارد الأخرى عدا النفط. وأعتقد مما شاهدت أن الكثير لو توافرت لديه الإمكانات لأبنائه لما بقي أحد هنا في جامعاتنا، بل اتجهوا شرقا وغربا, وبقينا على خصوصيتنا ومناهجنا التقليدية, أما مدارس الابتدائي حتى الثانوي فهي قصة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي