المتعاملون الأفراد في سوق الأسهم: ماذا يحدث؟.. ماذا نفعل؟

المتعاملون الأفراد في سوق الأسهم: ماذا يحدث؟.. ماذا نفعل؟

حاول منصور المديفع أن يعوض جزءا من خسارته اللتي مني بها في سوق الأسهم قبل عدة أشهر، فعاد واشترى كميات مضاعفة من الأسهم القيادية والصغيرة لعله يعوض جزءا من خسائره من خلال ما يوصف بـ "التعديل"، لكن المؤشر واصل هبوطه مجددا وازدادت خسائر المديفع أكثر وأكثر، وهو يسأل أصدقاءه ساخرا: هل يمكن أن يأتي اليوم الذي يطالبنا أحد بدفع رسوم عن الأسهم التي نملكها؟
لئن كان الأمر مرتبطا نظريا بعدم قراءة المتعاملين الأفراد، فإن خبراء اقتصاديين يعتبرون أن عوامل متعددة أدت للانتكاسات المتتالية لسوق الأسهم السعودية، ومن بينهم الدكتور بندر العبد الكريم أستاذ الاقتصاد في جامعة الأمير سلطان يعتبر أن تقييد هيئة السوق المالية حركة البيع والشراء المرتبطة بالصناديق الاستثمارية في البنوك السعودية، أثر سلبا على نشاط السوق، ويضيف "تراجع أصول الصناديق الاستثمارية (في البنوك السعودية) من 136 مليارا ريال إلى ما دون 36 مليار... أمر مؤسف".
وأصيب كثير من الذين دخلوا سوق الأسهم بصورة مباشرة غير مباشرة بخيبة أمل كبيرة، وسجلت حالات وفيات وأمراض نفسية ومشكلات اجتماعية متباينة بين المتضررين، عندما سجلت الصناديق الاستثمارية في البنوك المحلية خسائر تدنو من 50 في المائة، وبعضها تجاوز ذلك، وإن كان الصراخ بائنا بين الأفراد الذين تعاملوا بأنفسهم في أكبر سوق أسهم في الشرق الأوسط.
ويعيد الدكتور علي الزهراني الاستشاري النفسي مدى سوء الحالات النفسية للأفراد المساهمين إلى "كمية الخسارة، قدرة الشخص على تحمل الصدمات، وعما إذا كان هناك تاريخ مرضي للشخص".
ويجزم حسين البياعي الذين فقد قرابة 320 ألف ريال في السوق خلال شهرين، أن "كمبيوترات البنوك كانت تدفع إلى التوقف" في اللحظات الحرجة بيعا وشراء، غير أنه لا يوجد دليل على أن بنكا محليا ارتكب عملا تقنيا مخالفا، في حين أن عددا من البنوك خالفت اللوائح التنظيمية فيما يتعلق بتوقيت تسييل بعض المحافظ.
وكشفت مؤسسة النقد العربي السعودي أخيرا، أنها ألزمت بنوكاً بتعويض 20 حالة ثبت تضررها من قبل البنوك في قضايا تتعلق بسوق الأسهم والمحافظ الاستثمارية, مشيرة إلى أنها اتخذت قرار التعويض دون الرجوع إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية.
وقال حمد السياري محافظ مؤسسة النقد في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي"إن المؤسسة تلقت أخيراً عددا من الشكاوى المتعلقة بالتسييل، وأنها بدأت في دراستها"، وأضاف أن هناك عددا آخر من الشكاوى التي وصلت إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية.
وأشار السياري حينها، إلى أن عدد المحافظ التي تم إجبارها على التسييل بلغ 16 محفظة، لكن التسييل الذي تم برغبة العميل أضعاف هذا الرقم، مشيراً إلى أن ذلك يتم في الأساس بطلب من العميل تخوفاً من نزول الأسهم بشكل أكبر.
وأقيمت منذ انهيار السوق في شباط (فبراير) الماضي، عشرات الندوات في المدن السعودية لبحث مسببات الخسائر في السوق السعودية، وآخرها ندوة " دور المعلومات المحاسبية في تنشيط سوق الأوراق المالية" التي أقيمت الأسبوع الماضي في جامعة الملك سعود في الرياض، بحضور خبراء عالميين ومحليين في المحاسبة والاقتصاد والقانون، وقدمت خلالها جملة مقترحات عبر أوراق العمل، كان أبرزها ضرورة اعتماد نظام البيع على المكشوف ووجود حد أقصى لشراء نسبة من حجم التداول وإلغاء الحدود السعرية مرحليا. وجاءت هذه المقترحات عن طريق الدكتور عصام الملا الخبير المصري في سوق المال.
واقتصر حضور خمسة ملايين مواطن تقريبا حتى 2001 على الاكتتابات العامة، ولم يكن يوجد قبل ذلك التاريخ سوى50 ألف متعامل منتظم تقريبا، بينما اقتحم السوق خلال السنوات الأربع الماضية قرابة 3.5 مليون مواطن كان أغلبهم يتعامل مع السوق مرة على الأقل في الأسبوع الواحد.
وتوقع تقرير مصرفي صدر حديثا أن تبلغ أرباح الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية في نهاية 2006 نحو 85 مليارا، وذهب إلى أن نسبة دين رأسمال الشركات المدرجة في سوق الأسهم انخفضت من 196.8 إلى101.3 في المائة، منذ عام 2000 إلى 2006، الأمر الذي يشير إلى أن "جزءا كبيرا من الزيادة في إجمالي الأصول تم تمويله أساسا بواسطة الأرباح المحتجزة".
وأشار التقرير الذي صدر أخيرا عن البنك الأهلي التجاري، إلى أن شركات قطاعي الخدمات والزراعة سجلت أدنى ربحية بنمو 40.5 و30.1 في المائة، على التوالي في صافي الأرباح بالربع الثاني من هذا العام، وتعد هذه النتيجة أفضل مما كان يتوقع لهذين القطاعين.
وما زالت شريحة كبيرة في السعودية تفضل التعامل بصفة فردية في سوق الأسهم الوحيدة في البلاد، رغم أن هيئة السوق المالية رخصت في غضون الأشهر الماضية لأكثر من 30 شركة في مجال أعمال الأوراق المالية.
ويحذر الدكتور الزهراني من "اضطراب ما بعد الصدمة"، لافتا إلى أنه في هذه الحالة فإن الشخص عند سماعه خبر انهيار السوق يبدأ هو بالانهيار "ومع هذا الانهيار يبدأ يتشرب كل المواقف المحيطة والتي هي بدورها تصبح خبرة غير سارة بالنسبة له , مثل على سبيل المثال كرهه المذيع الذي أذاع الخبر , والفرع الذي تلقى فيه هذا الخبر المشؤوم , وكذا الموظفين..".
وهنا عاد الدكتور العبد الكريم إلى حث الذين فقدوا أكثر من 30 في المائة من قيم أسهمهم إلى التريث، وهو يؤكد أن مكررات الربحية تقهقرت بصورة كبيرة "تغري بالشراء... وبخاصة في القطاعين الصناعي والأسمنتي".
ويأخذ محللون ماليون على فئة كبيرة من المتعاملين الأفراد، البدء في تجارة الأسهم من غير تلقي التعليم والتدريب الكافيين، وعدم وضع استراتيجية استثمار واضحة، وعدم التنويع في الأسهم، واقتراض كمية أموال كبيرة بلا وعي استثماري، وهاجس جني أرباح كبيرة في وقت قصير، وعدم القبول بالفشل عند حصوله، وعدم استعمال الأجهزة والبرامج المتقدمة، والمبالغة في شراء الأسهم الخاسرة لتعديل أسعارها، وعدم اختيار الوسيط المناسب، والثقة الكبيرة بالنفس.
وكان الدكتور عبد العزيز الزوم الناطق الرسمي السابق لهيئة السوق المالية قد أقر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، أن هياكل السوق المالية يتحكم فيها الأفراد أكثر من المؤسسات، وقال حينها "إن سياسة هيئة سوق المال تتحرك وفق منهجية تعيد الأوضاع إلى نصابها الصحيح من حيث أهمية وجود تأثير مؤسساتي ينقل السوق من سلطة الأفراد إلى نظام مؤسساتي مرن وواضح".

الأكثر قراءة