الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الثلاثاء, 21 أكتوبر 2025 | 28 رَبِيع الثَّانِي 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين10.63
(-2.66%) -0.29
مجموعة تداول السعودية القابضة199.6
(-2.16%) -4.40
الشركة التعاونية للتأمين127.5
(-3.92%) -5.20
شركة الخدمات التجارية العربية108.1
(1.79%) 1.90
شركة دراية المالية5.6
(0.36%) 0.02
شركة اليمامة للحديد والصلب37.6
(-1.05%) -0.40
البنك العربي الوطني25.22
(-2.85%) -0.74
شركة موبي الصناعية12.6
(-0.87%) -0.11
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة35.94
(-2.34%) -0.86
شركة إتحاد مصانع الأسلاك24.02
(-2.95%) -0.73
بنك البلاد28.82
(-0.96%) -0.28
شركة أملاك العالمية للتمويل12.76
(0.08%) 0.01
شركة المنجم للأغذية57.65
(-1.54%) -0.90
صندوق البلاد للأسهم الصينية12.34
(1.15%) 0.14
الشركة السعودية للصناعات الأساسية60.85
(-0.33%) -0.20
شركة سابك للمغذيات الزراعية123.4
(-0.56%) -0.70
شركة الحمادي القابضة35.2
(0.00%) 0.00
شركة الوطنية للتأمين14.92
(-2.16%) -0.33
أرامكو السعودية25.04
(-0.08%) -0.02
شركة الأميانت العربية السعودية20.1
(-2.33%) -0.48
البنك الأهلي السعودي38.82
(-0.82%) -0.32
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات34.66
(-0.40%) -0.14

يعتبر جون مينارد كينز، المتوفى عام 1946، وميلتون فريدمان الذي توفي هذا الشهر، أكثر الاقتصاديين نفوذاً في القرن العشرين. ولما أنفق فريدمان معظم طاقته الفكرية في مهاجمة تركة كينز، فمن الطبيعي أن يعتبر الواحد منهما نقيضاً للآخر. ولا شك في أن الاختلافات بينهما كانت عميقة. لكن الأمور المشتركة بينهما كانت عميقة كذلك. والأهم من ذلك أنه لم يكن بينهما رابح وخاسر. فالسياسات الاقتصادية القياسية لعالم اليوم هي توليفة من منهجيهما.

شهد كينز فترة الكساد الاقتصادي العظيم (خلال الأعوام 1929 ـ 1939) واستنتج بالتالي أن السوق الحرة منيت بالفشل. لكن في المقابل قرر فريدمان أن الذي أخفق هو بنك الاحتياطي الفيدرالي. وكان كينز يعول على تكتم أهل النخبة من أصحاب التفكير المتطور، من الذين هم على شاكلته. أما فريدمان فكان يؤمن بأن الحكومة المأمونة الوحيدة هي الحكومة الملزمة بالعمل حسب قواعد محكمة. وظن كينز أن الرأسمالية يجب أن تكون في الأصفاد، في حين كان فريدمان يرى أنها ستحسن التصرف لو تركت وشأنها.

لا شك أن هذه الاختلافات واضحة ولا تحتاج إلى دليل. لكن أوجه التشابه بينهما لا تقل وضوحاً عن ذلك. فكلاهما كانا صحافيين لامعين، ومحاورين ممتازين، ومتمكنين من شرح أفكارهما الخاصة. وكلاهما اعتبر أن الكساد العظيم هو في واقع الأمر أزمة حدثت بسبب الاضطراب الذي أصاب الإنفاق الإجمالي في الاقتصاد. وكلاهما كتب مؤيداً تعويم أسعار تبادل العملات، وأيدا كذلك استخدام العملة الورقية التي تصدرها الحكومة وتحدد قيمتها في التعامل. وكانا مؤيدين للحرية في الصراع الأيديولوجي العظيم الذي كان سائداً في القرن العشرين.

ولولا الحقيقة التي تقول إن بريطانيا والولايات المتحدة أُمّتان فرقت بينهما اللغة المشتركة، لكان بالإمكان وصف الواحد منهما بأنه "ليبرالي" بالمعنى الإنجليزي للكلمة الذي كان سائداً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. لكن كينز، وإن كان مزاجه العقلي ليبرالياً، إلا أنه كان كذلك فرداً متشائماً ينتمي إلى الدرجة العليا من الطبقات المتوسطة لبلد في حالة انحدار، وكان يرى أن بقاء قدْر من الحرية يستلزم التخلي عن عناصر كبيرة من أرثوذكسية القرن التاسع عشر. لكن فريدمان، وهو ابن لعائلة يهودية مهاجرة من أوروبا وأمريكي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، فقد كان من المتفائلين. وكان يأمل في استعادة الأسواق الحرة والحكومة المحدودة.

ولتحقيق هذه الغاية، عمد فريدمان إلى القضاء على ما كان يظن أنها أخطاء ارتكبها كينز وتابعوه، مثل الافتراض بأن الميل الثابت للإنفاق من الدخل الحالي هو الذي يحرك إجمالي الإنفاق في الاقتصاد، والثقة في سياسة المالية العامة باعتبارها أقوى أداة في عتاد السياسات، والاعتقاد بأن التغيرات في الطلب الاسمي يمكن أن تؤمن التغيرات الدائمة في الناتج الحقيقي، والثقة في ممارسة التكتم من جانب الحكومات.

وفي كتاباته التي نشرها في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، تناول المواضيع السابقة واحداً تلو الآخر. ففي بحث مشهور نشر عام 1957 جادل بأن الاستهلاك يعتمد ليس على الدخل الحالي وإنما على الدخل الدائم أو طويل الأجل. وفي الكتاب المعنون "تاريخ نقدي للولايات المتحدة" A Monetary History of the United States (1963)، الذي كتبه بالاشتراك مع آنا شفارتز، وفي عدد من الدراسات التجريبية التي كتبها بالاشتراك مع ديفيد مايسلمان، سعى فريدمان لإعادة إدخال النظرية الكمية للنقود، التي تنص على وجود علاقة مستقرة بين عرض النقود والطلب الاسمي. وفي الكلمة المشهورة التي ألقاها عام 1968، حين تولى رئاسة الجمعية الاقتصادية الأمريكية، نادى باستخدام "المعدل الطبيعي للبطالة"، الذي يعرف كذلك بعبارة "معدل التضخم غير المتسارع للبطالة"، مكان المقايضة بين التضخم من جهة والناتج من جهة أخرى، وهو الأمر الذي كان مستخدماً ضمناً في "منحنى فيليبس" الذي كان استخدامه شائعاً في تلك الأيام. (منحنى فيليبس رسم بياني يصور العلاقة التي تنص على أنه كلما انخفض معدل البطالة في الاقتصاد زادت نسبة التغير في الأجور التي تدفع لليد العاملة في ذلك الاقتصاد).

ومعظم الاقتصاديين في ستينيات القرن العشرين كانوا ينظرون إلى إيمان فريدمان بالسوق الحرة ورفضه للأفكار الكينزية على أنه نوع من الشر، أو من فساد الرأي، أو كلاهما في غالب الأحيان. وما زلت أذكر أنني صعقت حين اطلعت، أيام دراستي في أكسفورد، على حججه التي كان يدافع فيها عن فكرة المعدل الطبيعي للبطالة بعد نشرها مباشرة. لكن حين وقع التضخم العظيم في سبعينيات القرن العشرين (وهو تضخم لم يشهد العالم مثيلاً له في أوقات السلم)، حدث تحول في المناخ العام للرأي. ومما ساعد على التحول أيضاً، انهيار نظام الأسعار الثابتة لتبادل العملات عام 1971 والتحول نحو تعويم أسعار الصرف، الذي سبق الارتفاع الحاد في الأسعار.

ولذلك كان من الضروري وضع نظرية جديدة لإرشاد العالم الذي اتسم على نحو أو آخر، بتعويم أسعار تبادل العملات والتضخم الحاد. وكان الأمل السائد وقتها هو أن الجواب يكمن في نظرية فريدمان في سياسة التحكم في النظام الاقتصادي من خلال التحكم في عرض النقود. وحاول بول فولكر، بصفته رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، تجربة هذه الفكرة في الولايات المتحدة بين عام 1979 و1982. وحاولتها حكومة مارجريت تاتشر في بريطانيا خلال الفترة من 1979 وحتى منتصف الثمانينيات. وفي كلتا الحالتين تم سحق التضخم. لكن العلاقة بين النقود والطلب الاسمي انهارت كذلك. صحيح أن الكينزية لقيت حتفها بالتأكيد. لكن كان هذا أيضاً مصير نظرية فريدمان في التحكم بعرض النقود في الاقتصاد.

ومن الحطام برزت سياسة قياسية جديدة، هي أن السياسة ينبغي لها، كما جادل فريدمان، أن تستهدف متغيراً اسمياً وليس متغيراً حقيقياً، وأن السعي ينبغي أن يكون نحو الهدف، وهو التضخم، وليس نحو الأداة، وهي النقود، وأن البنوك المركزية يجب أن تتمتع بحرية توجيه أسعار الفائدة نحو الوجهة اللازمة لإصابة هدفها. وهكذا توصل العالم إلى نظام من التكتم المحكوم بالقواعد. وسيشعر فريدمان بالرضا لاستخدام القواعد، وسيشعر كينز بالرضا لاستخدام التكتم. وفاز فريدمان من حيث أولوية السياسة النقدية، لكن كينز فاز من حيث رفض النظرية الكمية.

ومع ذلك فقد فاز كلاهما بالمعنى الأهم. فخلال العقدين السابقين عمل عالم من النقود الورقية التي تصدرها الحكومة على توفير التضخم ومساندة النمو الاقتصادي المستقر. وهذا تطور جديد لم يسبق حدوثه من قبل. وصرح فريدمان نفسه في وقت مبكر من هذا العام بأن "الإنجاز العظيم الذي حققه ألان جرينسبان هو أنه أظهر أن المحافظة على أسعار مستقرة أمر ممكن". وهكذا نرى النصير الكبير للقواعد يثني على المستخدم الكبير للتكتم.

فهل البنك المركزي المستقل الذي يستهدف التضخم وتعويم سعر الصرف هو "نهاية التاريخ" في السياسة الاقتصادية الكلية؟ لا أظن ذلك. فالتقلبات المفاجئة في أسعار الصرف المعومة تستصرخ طلباً لتجربة أخرى من جديد في التكامل النقدي، وربما حتى المحاولة للتوصل إلى عملة عالمية. ثم إن مسيرة التكنولوجيا ربما تجعل النقود لا لزوم لها باعتبارها شيئاً لا يزيد على مجرد وحدة حسابية.

والجدال حول السياسة الاقتصادية متواصل أيضاً. ولعل البنك المركزي الأوروبي يفلح في حمل البنوك المركزية الأخرى على الاقتناع بأن البيانات النقدية يمكن الحصول منها على أفكار مفيدة. ولعل البنوك المركزية تتعلم كذلك أنها إذا تجاهلت أسعار الأصول فإنها إنما ترتكب خطأً كبيراً. وحتى السياسة التوسعية في المالية العامة ربما تكون هناك حاجة إليها من جديد، كما كان الحال في اليابان أثناء تسعينيات القرن العشرين التي شهدت الانكماش الاقتصادي هناك.

والغموض لايزال يكتنف مستقبل اقتصاد السوق. وهنا أيضاَ، الموقف الحالي هو التعادل. فلو كان كينز حياً سيشعر بالقلق من الآثار التي تزعزع الاستقرار نتيجة لتحرير حركات النقد. لكن كان على فريدمان أن يدرك أن التراجع الشامل لدور الدولة ليس على جدول الأعمال. لقد تم تحرير السوق بالفعل من كثير من الأصفاد التي كانت تكبلها في منتصف القرن العشرين. لكن الدولة تسيطر على الموارد وتنظم الاقتصاد على نطاق لم يكن يخطر على بال أحد قبل قرن من الزمان. بل إن العولمة نفسها يمكن أن تنهار.

لقد كان كينز وفريدمان الشخصيتين الرئيسيتين في الجدال حول السياسة الاقتصادية في القرن الماضي. لكننا نستطيع أن نرى اليوم أن أياً منهما لم يكن الفائز أو الخاسر.

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية