كنت معكم في الحلقة السابقة وتحدثنا عن مكرمة (الحكمة) وأوضحنا تعريف الحكمة وما ورد في الكتاب والسنة وما ذكره العلماء والسلف الصالح عنها، كما أشرت إلى أن الحلقات ستكون مركزة على المعاني والمفاهيم ومبادئ وقواعد مكارم الأخلاق وتكون الحلقة ربع صفحة بدلاً من نصفها حتى يسهل على القراء قراءتها، حيث إن الكثير يرحبون بالإيجاز والتركيز بدلاً من التفصيل، والآن مع مكرمة (الحلم).
تعريف الحلم:
جاء في (دليل السائلين) من إعداد: أنس أبوداود أن الحلم هو: (ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وهو ضد البطش، وجاء في (موسوعة نضرة النعيم) أن الجاحظ عرف الحلم فقال :الحلم ترك الانتقام عند شدة الغضب مع القدرة على ذلك، ولا شك أن الحلم سيد الأخلاق كما يقال، ويكفي أن نعرف أن من أسماء الله الحسنى (الحليم). لنفهم أهمية الحلم، والحلم من أخلاق الأنبياء والصالحين والعظماء.
أهمية الحلم وفوائده:
ومن أهم فوائد الحلم أن تكون رحيماً بالجهال فلا تنتقم منهم لسوء سلوكهم وحمقهم فلعل هذا التصرف الحكيم واللطف معهم أن يدفعهم لإصلاح سلوكهم، كما أن الحلم يؤدي إلى سعة الصدر وحسن الثقة في الناس والمحافظة على شرف النفس وعلو الهمة وعدم النزول إلى مستوى السفهاء، والحلم يؤدي إلى صيانة النفس وكمال المروءة، ومن فوائد الحلم أيضا قطع سبب الخصام وذلك بالحزم وضبط النفس عن رد الفعل لما يؤدي للغضب فكأنك بماء الحلم تطفئ نار الغضب وتقطع الشر بالتزام الصمت تجاه السفهاء والجهلة، وكل ما ذكر يوضح لنا بجلاء أهمية الحلم حتى لا نسمح للغضب أن يبدأ فيندفع الناس للخصام والتقاتل فتبدأ الفتن والعياذ بالله.
بعض ما ورد في القرآن الكريم عن الحلم:
قال تعالى : (... فاحذروه واعلموا أن الله غفور رحيم ) البقرة آخر الآية (235).
قال تعالى : (... إن إبراهيم لأواه حليم ) التوبة آخر الآية (114), قال تعالى : (... فبشرناه بغلام حليم ) الصافات (101).
وهكذا نجد القرآن الكريم قد حوى كثيراً من الآيات الكريمة عن (الحلم) باعتباره اسماً من أسماء الله الحسنى وأنه صفة من صفات الأنبياء وما أجدرنا أن نحذو حذو أنبياء الله تعالى ورسله.
بعض الأحاديث الواردة عن الحلم:
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التأني من الله والعجلة من الشيطان ، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبُ إلى الله من الحلم) رواه الترمذي، وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناه) رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه البخاري ومسلم، ويقصد عليه السلام أن الشديد هو الحليم، وكان صلى الله عليه وسلم قمة في الحلم وكظم الغيظ والعفو عن الأخطاء والتسامح وهذه المكارم تنبع من مكرمة (الحلم).
بعض ما ذكره السلف الصالح عن الحلم:
قال لقمان الحكيم: (ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا الأخ إلا عند الحاجة. وإليكم جزء من نصائح عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجماعة من أمراء المسلمين وحكامهم:(..إن للرعية عليكم حقاً فاعلموا أنه لا شيء أحب إلى الله ولا أعز من حلم إمام ورفقه وليس جهل أبغض إلى الله ولا أغم من جهل إمام وخرقه)، وقال على ابن أبي طالب كرم الله وجهه : (إن أول ما عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل)، وقال الشعراء في الحلم:
وفي الحلم ردع للسفيه عن الأذى وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا
وقال الآخر:
قل ما بدا لك من زور ومن كذب حلمي أصم وأذني غير صماء
وما أجدرنا أيها الإخوة وبخاصة في أيامنا هذه أن نتعلم الحلم ثم نتدرب عليه ونمارسه حتى يصبح خلقاً مكتسباً فنطفئ به نيران الغضب. وتذكروا كم افترس الغضب أقواماً ؟ فأدى للشقاق والخصام وسوء الأخلاق مما تسبب في الطلاق وقطع الأرزاق والتناحر والبغضاء والفتن وما تسبب الغضب فيه من تشريد الأبناء ومعاناتهم وسوء تربيتهم ودفعهم للفساد، فاحذروا الغضب وتذكروا فوائد الحلم.
وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة لنتكلم عن مكرمة (الشجاعة).
